"تذكرة الترحيل": حملة اليمين الألماني المتطرف لطرد اللاجئين
مصطفى الدباس
الإثنين 3 شباط 2025
أثارت حملة "تذكرة الترحيل" (Abschiebeticket) التي أطلقها "حزب البديل من أجل ألمانيا" (AFD) موجة من الانتقادات والغضب والنقاش في أنحاء ألمانيا، بعد توزيع حوالى 30 ألف منشور تشبه تذاكر الطيران، مع تسليط الحزب اليميني المتطرف الضوء على موقفه المتشدد ضد الهجرة قبيل الانتخابات الفيدرالية المقبلة.
وتندرج الحملة ضمن إطار الخطاب المتطرف المتزايد للحزب حول الهجرة، بعدما دعت رئيسة الحزب، أليس فايدل، في مؤتمر للحزب بمدينة ريزا في مقاطعة ساكسونيا، إلى عمليات ترحيل جماعي، واصفة ذلك بـ"إعادة الهجرة" (Remigration). وشددت على سياسات تهدف إلى طرد المهاجرين الذين، من وجهة نظر الحزب، لا يندمجون أو يلتزمون بالقوانين الألمانية.
ووزعت المنشورات التي تحاكي بطاقات الصعود إلى الطائرة، في كارلسروه، واستهدفت بشكل أساس الأفراد ذوي الخلفيات المهاجرة، وتضمنت موعداً للرحيل يتزامن مع الانتخابات الفيدرالية ووجهة محددة باسم "بلد المنشأ الآمن". كما احتوت التذاكر على رمز QR يربط بالموقع الإلكتروني للحزب. ورغم أن الحزب يدعي أن التوزيع كان عشوائياً، أشارت التقارير إلى أنها وُضعت في صناديق بريد تحمل أسماء أجنبية، وأثارت الحملة انتقادات فورية بسبب حساسيتها التاريخية والتشابه مع ممارسات الترحيل خلال حقبة النازية.
وتمثل حملة "تذكرة الترحيل" نموذجاً لاستراتيجية "حزب البديل" الأوسع لجذب قاعدته الانتخابية من خلال نشاطات استفزازية تركز على قضايا مثيرة للجدل مثل الهجرة، حيث يسعى الحزب إلى تصوير نفسه كمدافع عن "القيم الألمانية التقليدية" ضد التهديدات الخارجية المزعومة، ما يعرّض المجتمع الألماني لخطر مزيد من الانقسام.
ولاقت الحملة العنصرية إدانة شبه شاملة في وسائل الإعلام، وسلطت وسائل مثل "ZDF" و"WELT" الضوء على الدلالات التاريخية للحملة، وربطتها بممارسات حقبة النازية، منتقدة استغلال الحزب لمخاوف المجتمع لتحقيق مكاسب انتخابية، في حين ركزت "SWR" على تأثير الحملة في المجتمعات المحلية، وأتاحت منصة للأصوات السياسية والعامة لإدانة الحملة. كما عرضت وسائل الإعلام المحلية والدولية في تغطيتها الحملة، كجزء من تصاعد الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا، مسلطة الضوء على الآثار الأوسع في القيم الديموقراطية، وجاء الإجماع عبر وسائل الإعلام بأن الحملة تجاوزت الحدود الأخلاقية والمعنوية باستخدام الخوف كأداة سياسية.
وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مكان للتعبير عن الغضب من الحملة، فتصدرت الوسوم المنددة بحزب البديل منصات "إكس" و"إنستغرام". وسخرت الحسابات التهكمية مثل "Nein zur AfD" من الحملة، ما وفر مساحة للمقاومة ضد خطاب الحزب الانقسامي. ونشر الحساب صورة تهكمية التقطت للزعيمة فايدل في لحظة يظهر انعكاس الميكروفون على وجهها وكأن لديها شارباً يشبه شارب أدولف هتلر، وعلق الحساب ساخراً: "لا أعرف من التقط هذه الصورة، لكني أحبك".
واستخدم العديد من رواد وسائل التواصل وسوماً باللغة الألمانية مثل "لا لحزب_البديل من أجل ألمانيا" و"حماية الديموقراطية" و"صراع الانتخابات" للتعبير عن رفضهم لهذه الأساليب، بشكل أظهر رفضاً شعبياً واسعاً لحملة "تذكرة الترحيل"، مع التأكيد على أهمية التصدي للخطابات التي تسعى إلى تقسيم المجتمع الألماني.
ووصف عمدة كارلسروه، فرانك مينتروب، الحملة بأنها تهديد لتماسك المجتمع وانتقد تكتيكاتها التي تثير الخوف، كما دانت السياسية من حزب اليسار"Die Linke"، سارة ميرو، المنشورات باعتبارها لا-إنسانية وأعلنت خططاً لتقديم شكاوى قانونية ضد "حزب البديل" بتهمة التحريض على الكراهية، كما أعربت مجموعة "الشباب الاتحادي" (Junge Union) وغيرها من الأصوات المحافظة عن استيائها من الحملة، ووصفتها بأنها تقوض الانسجام السياسي والاجتماعي.
وتظهر كل تلك الردود التزاماً مشتركاً بين الأحزاب الرئيسية في ألمانيا برفض الأساليب العنصرية للحزب، التي تروج للانقسام وتهدد الديموقراطية الألمانية ككل.
وأفاد مواطنون من أصول مهاجرة بشعورهم بأنهم مستهدفون وغير مرحب بهم، ما زاد من التوترات القائمة حول قضايا الاندماج والانتماء، حيث سلطت الحملة الضوء على كيفية تأثير الخطاب السياسي بشكل كبير في الفئات الضعيفة، ما يخلق جواً من العزلة وانعدام الأمان، وفتحت الشرطة تحقيقاً ضد المسؤولين في "حزب البديل" في كارلسروه. وأكد متحدث باسم الشرطة أن التحقيق يتم بناءً على شبهة التحريض على الكراهية، حيث أُطلقت التحقيقات بناءً على بلاغات من 20 مواطناً.
وتعتبر الكراهية، والتحريض على الكراهية، في ألمانيا، جرائم جنائية يعاقب عليها القانون. وبحسب المادة 130 من قانون العقوبات الألماني، يُعاقب على التحريض العلني على الكراهية ضد فئة معينة من السكان أو الدعوة إلى العنف أو اتخاذ إجراءات تعسفية ضدهم بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أو بغرامة مالية.
إلى ذلك، خرجت مظاهرة ضد "حزب البديل" في برلين، حيث تجمع 17 ألف متظاهر للاحتجاج على سياساته اليمينية المتطرفة وخطاباته التحريضية، كما سجلت مظاهرات ستقام في مدن ألمانية ضد اليمين المتطرف وفق تواريخ محددة مسبقاً تمتد حتى منتصف شباط/فبراير المقبل.
وتركزت الاحتجاجات على رفض أساليب الحزب التي تستهدف المهاجرين وتقسّم المجتمع وتعادي قيم الديموقراطية، وحاول المتظاهرون إغلاق الطرقات لمنع حدوث مؤتمر للحزب في وقت سابق، كما خرجت مظاهرة أخرى في هامبورغ للتنديد بسياسات الحزب العنصرية ووصفها بأنها عمل مشين.
وانضم الكتّاب والمثقفون الألمان إلى النقاش، مقدمين انتقادات لاذعة للحملة، وشبهت الأصوات البارزة الحملة بالفظائع التاريخية لألمانيا النازية في تهجير اليهود عبر الطائرات، محذرة من مخاطر تطبيع الخطاب اليميني المتطرف. ووصف يان فيليب بورغارد من صحيفة "دي فيلت" نهج "حزب البديل" بأنه تهديد مباشر لقيم ألمانيا واستقرارها الاقتصادي.
وتراقب السلطات الألمانية أنشطة الأحزاب السياسية، خصوصاً تلك التي تتبنى خطابات متطرفة بعدما صنفت محكمة ألمانية حزب "البديل من أجل ألمانيا" كحركة متطرفة مشتبه فيها، في حزيران/يونيو 2024، ما أتاح لوكالة الاستخبارات الداخلية مراقبة أنشطته عن كثب. بناءً على ذلك، إذا ثبت تورط حزب سياسي في التحريض على الكراهية أو نشر مواد تحريضية، فإنه يواجه عقوبات قانونية قد تشمل الغرامات المالية أو السجن للمسؤولين عنه، بالإضافة إلى إمكانية فرض قيود أو حظر على أنشطته.
ورغم ردود الأفعال السلبية، شهد الحزب المتطرف زيادة في الأصوات الناخبة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنه ثاني أقوى حزب قبل الانتخابات المقبلة، وتعزى هذه الزيادة إلى عوامل متعددة، بما في ذلك دعم شخصيات مؤثرة، مثل رجل الأعمال إيلون ماسك، وتنامي التأييد لمواقفهم المناهضة للهجرة بين شرائح معينة من الناخبين، وحملات "تيك توك" التي تستهدف الشباب. ورغم ذلك، تستمر أساليب الحزب العنصرية في إثارة القلق حول مستقبل البلاد عقب الانتخابات المقبلة.
وفي سابقة لم تحصل منذ 75 عاماً، حصل المحافظون المعارضون في ألمانيا يوم الأربعاء على موافقة البرلمان على مقترح يهدف إلى تقييد الهجرة بشكل جذري، بمساعدة أصوات "حزب البديل" ما يمثل كسراً للمحظور بشأن التعاون بين القوى السياسية التقليدية المعتدلة مع اليمين المتطرف. ورغم أن المقترح غير ملزم، إلا أن دور الحزب في تمريره يحمل أهمية رمزية كبيرة في ألمانيا قبيل الانتخابات.
واتهم منتقدون، بمن فيهم المستشار الألماني أولاف شولتز، زعيم كتلة "الاتحاد الديموقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (CDU/CSU)، السياسية المحافظة فريدريش ميرتس، بكسر التوافق القائم بين الأحزاب الديموقراطية في ألمانيا منذ أكثر من 75 عاماً بعدم التعاون مع اليمين المتطرف. كما حذر شولتس من احتمال تشكيل ائتلاف مستقبلي بين المحافظين و"حزب البديل" بعد الانتخابات، رغم أن حزب ميرتس ينفي هذا الاحتمال في الوقت الحالي.
المصدر: المدن