العلمانية
أكباش الطوائف.. والرعايا!

الفضل شلق

الإثنين 2 كانون لأول 2024

السياسة العمودية مبتذلة يغلب عليها طابع طاعة التابع لمن هو أعلى منه، وتآمر وتسلّط المتبوع على من هو أدنى منه. ليس هناك تشاور أو نقاش أو حك دماغ في قضايا صغرت أو كبرت. الأهم هو إرضاء الزعيم كبش الطائفة.
 
لا يتنافس المتساوون بل يتسلّط أو يتآمر المتسيدون. هؤلاء لا تنبع هيبتهم من شخصهم الجذاب أو معرفتهم الخارقة أو أي قدرة على فعل أي شيء مفيد، حتى تقديم خدمات يطلبها التابع. هم يعقدون الأمل على العلاقة بكبش الطائفة، أو إذا لم يكن الوصول إليه سهلاً، فعلاقة مع من يمكن أن ينوب عنه في المواضيع المهمة. وغالباً ما تكون الأمور ذات الحساسية الفائقة من اختصاص كبش الطائفة وحده. وإذا ائتمن على ذلك أحداً، فذلك الشخص يجب أن يكون من أهل الثقة. حتى إذا ارتأى كبش الطائفة أن يسيطر على حزب ويتبناه أو ينشئ حزباً، فالهرمية التنظيمية لا قيمة لها ولا عمل بموجب قواعدها وقوانينها، كما لا أهمية إذا كان للحزب بلاتفورم يحدد ما يشبه العقيدة وبرنامج الحزب. هذا ما لا يؤبه له. تكون مواقف الحزب-الطائفة عادة عشوائية، تُعبّر عن مصالح كبش الطائفة وأهوائه. وهو عادة يراعي بدقة التوازنات الطائفية. ولا يترك شاردة أو واردة إلا ويشرف على أن تكون منسجمة مع رغباته وآرائه العشوائية، التي تبدو عشوائية لكنها تكون محسوبة حسب ميزان القوى الطائفي. كبش الطائفة يعرف أنه مضطر للتعامل مع أكباش الطوائف الأخرى، وهؤلاء ليسوا أقل حنكة منه. ومخالبهم الطائفية صالحة للإيذاء كالتي عنده.
 
يترصد كبش الطائفة عقود الدولة ووظائفها التي تتاح. يجب أن ياخذ حصته منها. وهو دائماً يدعي أنها حصة الطائفة. لا فرق كبير بين ماله والطائفة. إذا فاض عنه شيء فهو يوزعه على الحواشي والأتباع. وهؤلاء عادة راضون بما يرمى إليهم. هم على استعداد دائم لتلقف العظام.
 
في الانتخابات، تقرر النتائج سلفاً حسب اللوائح. وهذه يجري تشكيلها بمفاوضات بين الأكباش وحاشيتهم. وهي عادة ما يقرر النتائج سلفاً. وإذا تسرّب الى المجلس النيابي من لم يحسب له حساب، فإنه يُستفرد ويُستبعد عن طبخ التشريعات. أما الوزراء فهم يُنتقون من طوائفهم بعد إثبات الولاء الكامل. وهذا الأمر يسري على وظائف الدولة. أما أساطين القطاع الخاص فعليهم خوة يدفعونها بمناسبة وبدون مناسبة. وهذا أمر ضروري لتمويل الحزب-الطائفة وماكينته العادية كما في الانتخابات. المراكز النيابية أسعارها أعلى، على جري العادة. نادراً ما يكون صاحب المال ذا شعبية تخوله خفض السعر أو أن يكون ذا حيثية عند كبش الطائفة. هكذا تنشأ الطائفة وتتطوّر كجماعة مغلقة. وإذا ركبت الحمية أحدهم، وساورته نفسه بالانشقاق، على اعتبار أنه يرى نفسه مؤهلاً علمياً أو شعبياً، فإنه يُرمى في سلة المهملات خارج “التنظيم”. الطائفة جماعة مغلقة. وحاشية الكبش أو حزبه هم أيضاً جماعة مغلقة. جماعة مغلقة في جماعة مغلقة. الجماعة لا ترى إلا ضمن الطائفة. أفقها الذهني محصور بالطائفة. أما الكبش وبعض من حوله فيلزمهم اطلاع على العالم الخارجي محلياً وخارجياً من أجل التفاوض. الطائفة كيان أشبه بدولة ضمن دولة. فكل مفاوضاتها مع الطوائف الأخرى أو مع الخارج هي أشبه بالمفاوضات الديبلوماسية؛ ديبلوماسية الطوائف. كل طائفة تعتبر نفسها مغبونة. فهي تسعى للسطو على حصص الطوائف الأخرى؛ أشبه بالقبائل وغزواتها. لا تعتبر طائفة أن ما تكسبه كسب للجميع أو  للوطن. فكل ما تكسبه خسارة للآخرين. يكون المجموع صفراً أو ما دون الصفر. بخاصة عندما تكون التعيينات أدت الامتحانات التي أجريت لها إلى عدم توازن طائفي بين الناجحين. عندها يتم وقف التعيينات. هذه هي “السياسة” الشائعة في لبنان. هي سياسة مبتذلة. هي في الحقيقة غير سياسة. هي شيء آخر. منافسات مدمرة بين الطوائف وأكباشها. هي ليست وجهاً آخر للسياسة الحقيقية. هي في الحقيقة إلغاء لتلك السياسة. السياسة ملغاة كما في كل بلد عربي يحكمه طاغية. لبنان بلد فيه تعددية. بدل من أن يكون فيه طاغية واحد هناك عدة طغاة. أكباش الطوائف هم هؤلاء الطغاة. الناس ليسوا مواطنين. هم رعايا. تسمية كبش الطائفة صحيحة، لأن الطائفة ذاتها رعية. بالأحرى، قطيع ينقاد وراء الكبش. لا يقاد قسراً. بل ينقاد طوعاً لأن النفس اللبنانية مشبعة بالطائفية وما يلزمها من عصبية عمياء.
 
 
 
المصدر: 180post