الفيدرالية في لبنان... كمَن يطلب الحلّ من فانوس سحريّ
محمد حجيري
الثلاثاء 25 حزيران 2024
لا شك في أنّ النظام اللبناني الحالي(والسابق)، متصدّع ومتعثّر وعرضة للرياح العاتية وتدخل الأغيار، ويعيش نوعاً من الوحدة الزائفة والمصطنعة وعلى كف عفريت، وما الدعوات إلى الفيدرالية باعتبارها "خشبة الخلاص" و"الطريق الوحيدة لإدارة العلاقات بين الطوائف بسلام وبعيداً عن الحروب والاحتلالات"، سوى تعبير عن الأزمة اللبنانية المستعصية في الرئاسة والقوانين والحياة العامة نتيجة هيمنة فريق مسلح على مفاصل الدولة وقرارها السيادي.
والدعوة إلى الفيدرالية قديمة، وهي رد فعل على تبدلات الواقع الاجتماعي والسياسي، وبعض مَن يرفعون شعار "الفيدرالية هي الحل" يتوهمون الخلاص والإنقاذ والمهدوية والقيامية، وهم على طريقة شعار "الإسلام هو الحل" أو "الاشتراكية هي الحل". بعضهم يرفع شعار الفدرلة كموقف من هيمنة حزب الله، وبعضهم يعيش فوبيا "المحمودات" من منطلق "أن المسلمين لا يشبهوننا ولا نشبههم"، وأن القوى الأساسية (حزب الله خصوصاً) التي ترفض الفدرلة وتندّد بدعاتها وتعتبرهم ساعين إلى التقيسم، تعيش الفدرلة على أكمل وجه، في الأمن والاقتصاد والحريات وقرار الحرب والسلم ولديها مشروعها، وتعيب على الآخرين (المسيحيين) هذا الشعار، على مبدأ "ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم". وبالتالي يختلط الحابل بالنابل في لبنان، نحن أمام مرحلة فيها شيء من الفدرلة، شيء من الديموقرطية، شيء من الفوضى، شيء من الذميّة، شيء من التبعية، وشيء من الازدواجية.
والفيدرالية في راهنها وماضيها كانت من الأحلام الكثيرة ضمن خريطة لبنان الصغيرة، إذ سبق لخلوتيّ سيدة البير وسيدة الجبل أن طالبتا بها في أوائل الحرب الأهلية، كما أنه وفي ثلاثينيات القرن المنصرم طالبت مجموعة الفينيقيين الجدد التي كانت الناطقة السياسية الرسمية باسم موارنة جبل لبنان، باعتماد الفيدرالية عندما انبرى إدوار حنين، عضو المجموعة، بالقول في العام 1936: لبنان هو الجبل، وشعبه هو الشعب الماروني (كتاب "صلات بلا وصل" للمؤرخ فواز طرابلسي). وكتب روبرت رابيل، أستاذ قسم العلوم السياسية في جامعة فلوريدا "إن هذه الفكرة ليست جديدة، وقد حظي الخيار الفيدرالي بتأييد، وكان موضوع نقاش بين السياسيين المسيحيين والأحزاب المسيحية بشكل رئيسي قبل الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وخلالها. كما عرض الرئيس كميل شمعون (1952-1958) خطة مفصلة للبنان الفيدرالي، وقدمت "الجبهة اللبنانية"، التي تمثل تطلعات الموارنة بشكل رئيسي، مشروعًا فيدراليًا خلال الحوار الوطني اللبناني في لوزان العام 1984".
وفي كتابه "أسرار حرب لبنان"، يذكر الصحافي الفرنسي آلان مينارغ، أن الرئيس كميل شمعون "فتى العروبة الأغر" وأحد عرّابي دخول الجيش السوري الى لبنان لمواجهة "اليسار الدولي" والقوات الفلسطينية، نصح رئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيغن، عندما التقاه في زيارة سرية إلى إسرائيل في العام 1976، بأن لا ترتكب إسرائيل الخطأ الذي ارتكبه موارنة لبنان فأنشأوا الدولة مع المسلمين. وأن على اليهود الإسرائيليين أن ينفصلوا عن الفلسطينيين ويعطوهم دولة خاصة بهم. وراودت فكرة الفيدرالية، الرئيس المنتخب بشير الجميل، الذي اغتيل العام 1982، وكان أبرز منظريها "القواتي" العتيق أنطوان نجم.
وقبل أيام، وبعد أكثر من أربعين سنة على حوار لوزان، يقف حفيد رئيس الجمهورية الأسبق، النائب كميل شمعون، ليكرر تبني المشروع نفسه من منطلق "الفيدرالية ضد التقسيم"، "الفيدرالية يمكن أن تؤسس للمستقبل"... "الطائفية في لبنان يجب استبدالها بالفيدرالية لأنها هي الطريق لإنقاذه"، مستسهلاً الأمور وكأنها جرّة قلم. وكان الباحث وضاح شرارة نبّه إلى أن المؤرخ والمستعرب الماركسي الفرنسي، مكسيم رودنسون، عندما جاء إلى لبنان في 1945 و1946، لاحظ أن المجلس النيابي مجلس فيدرالي.. الغرض من النظام الانتخابي الذي يجمع طوائف متعددة هو أن يحرص المرشحون على توفير قاعدة متنوعة، وأن تكون خطاباتهم وسطية ومشتركة وجامعة. لكن صار مَن يريد الحصول على أصوات جماعته وطائفته يجب أن يكون أكثر تشدداً.
غير أن الفيدرالية، بحسب شرارة، تُفهم في أماكن مثل سوريا أو العراق، ليس بالتركيب الاجتماعي والقومي والمناطقي-الجغرافي فحسب، إنما بالعامِلَين الماديين، السكان والمساحة أيضاً. و"لبنان صغير المساحة وفيه تداخل سكاني. لذا، أعتقد أن في الفيدرالية مخالفة عميقة للتاريخ الماروني. العمود الفقري للجغرافيا اللبنانية هو انتشار الموارنة من الشمال إلى الجنوب". ودعاة الفدرلة لا ينظرون إلى التوزيع السكاني والتداخل المناطقي، والبعد السوسيولوجي للأمور.
ودعاة الفيدرالية ومنظروها، حالمون طوباويون مثل بعض اليساريين والإسلاميين والقوميين والاشتراكيين، يظنّون أن حلّ الأمور السياسية الوطنية وفك عقدها المستعصية يكمن في فانوس سحري بين يديك، وما عليك إلا أن تطلب وتتمنى.
المصدر: المدن