العلمانية
الإسلام السياسي يتجه نحو العسكرة وينشط بهوية وتحالفات جديدة

هشام النجار

الخميس 30 أيار 2024

جاءت حرب غزة لتعيد تنشيط أجندات جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة بعد انحسار تأثيرهم وخسارتهم للسلطة في عدة دول. وتسعى الجماعة السنية الآن إلى بناء تحالفات مع نظيرتها الشيعية والاستفادة منها تحت يافطة دعم فلسطين.
 
القاهرة - تتجه أفرع لجماعة الإخوان في المنطقة إلى العسكرة تحت ذريعة إسناد غزة، منضوية تحت لافتة ما يطلق عليه محور المقاومة، ما يرمز إلى تحول عريض لتيار طرح اسمه قبل سنوات كأحد تجليات الديمقراطية والتعددية الحزبية بعد ما عُرف بثورات الربيع العربي.
 
ويُعد انضواء أفرع لجماعة الإخوان في الأردن ولبنان تحت ما يسمى بمحور المقاومة بجهود ملحوظة من حركة حماس الحريصة على توفير حواضن حركية داخل بعض الدول العربية بإشراف الحرس الثوري الإيراني، انتكاسة لمشروع دمج جماعات سنية بمنطقة الشرق الأوسط في العملية الديمقراطية، بعد عزلها عن السلطة وانزلاق عدة ساحات طالتها التجربة إلى صراعات أهلية وطائفية.
 
ولم تمكث فصائل تيار الإسلام السني في مشهد السلطة طويلًا، وفقًا للمعادلة الغربية السابقة التي اعتمدت على رعاة إقليميين مثل تركيا وقطر، ولم تستطع الأفرع التي لم تصعد إلى السلطة خلق مواءمات تحول دون تأثرها السلبي بفشل عموم تجربة الإسلاميين في السلطة بالمنطقة العربية.
 
وتستجيب أفرع لجماعة الإخوان حاليًا على وقع عدة متغيرات إلى مشروع على النقيض من المشروع الأول، ناظرة إلى التحالف مع جماعة المقاومة واكتساب مزايا عسكرية ومالية وسياسية من الاشتباك المباشر وغير المباشر مع الحرب الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة على أنه (التحالف) قاطرة تمكنها من تعويض فشلها السابق عبر التماهي مع نماذج فصائل الإسلام الشيعي الأكثر حضورًا والأطول مكوثًا في مشهد السلطة.
 
ولم تعد الإشكالات السابقة التي واكبت دعم الغرب لتمكين الإسلاميين السنة وإدماجهم في العملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة تُطرح الآن، وغابت الأسئلة بشأن التزام الجماعات الإسلامية السنية بالمعايير الديمقراطية من عدمه، أو إذا كانت سوف تستغل الانتخابات لتحقيق أهداف غير ديمقراطية، في ظل انخراط جزئي داخل حالة مختلفة تُعنى بشرعنة سلاح ميليشياوي خارج الأطر الشرعية.
 
وتفرض الجماعات الإسلامية السنية بحكم الأمر الواقع وباستخدام أساليب الترويع والترهيب كلمتها على المجموع مستغلة التحالف مع ميليشيات طائفية نافذة وبرعاية إيران، الدفع باتجاه إنجاح التجربة وتعتبرها قضية وجودية يتوقف عليها مستقبلها في السلطة وليس مجرد مشروع وظيفي لتحقيق مكاسب إستراتيجية، كما كان حال الرعاية الغربية للإخوان.
 
ويمنح التدثر برداء القضية الفلسطينية ومزاعم إسناد المقاومة الجماعات السنية المشروعية التي لم تتمكن من تحقيقها في المرحلة الماضية، مُستلهمة من الفصائل والأحزاب الشيعية المسلحة أقوى أدوات نفوذها في الداخل عبر معادلة مغايرة تسمح بالتطرف والتعامل بفوقية وفرض السطوة والإرادة بقوة السلاح.
 
ويختلف الواقع الراهن عن المعادلات الغربية التي خططت لتوسيع دمج الإسلاميين في العمل السياسي بزعم أنهم معتدلون يمكن احتواؤهم، وهم فئة كبيرة يمثلون مجتمعاتهم، ويمكن تدريبهم على العمل والتحرك في وسط تعددي وعلى قبول الآخر بهدف عزل الأكثر تطرفًا منهم.
 
 
وانطبق هذا التحول نسبيًا على فرع الإخوان في الأردن بالنظر إلى ما أسفرت عنه الانتخابات الداخلية الأخيرة من نتائج تصب في مصلحة الاتجاه المنحاز للانضواء داخل محور إيران والمضي في تحالف أكثر وضوحًا مع حركة حماس، لكنه واضح بشكل عملي في لبنان الذي ساعدت ظروفه الاستثنائية والنفوذ الطاغي لحزب الله فيه فرع جماعة الإخوان هناك (الجماعة الإسلامية) للانتقال فعليًا إلى الحالة الميليشياوية وربح مكاسب سياسية داخلية تحت ذريعة مؤازرة المقاومة.
 
وعلى الرغم من المشتركات بين فرعي الإخوان في الأردن ولبنان، حيث يتبنيان تصورات التنظيم الدولي للإخوان وانتهى الصراع داخلهما للجناح المتشدد المنحاز لحماس وإيران، ويوجد بهما لوبي من فلسطينيي المخيمات في لبنان أو من ذوي الأصول الفلسطينية بالأردن قادر على تحقيق مصالح المحور، إلا أن الأردن يختلف من زاوية حضور الدولة ومؤسساتها وتصديها لتمدد المشروع الإيراني عبر الوكلاء الإقليميين لها.
 
وتوقف سير المخطط في الأردن عند حد إجراء تغييرات داخلية دون الوصول إلى الحالة الميليشياوية، بينما تم فعليًا انصهار الجماعة الإسلامية في لبنان (فرع الإخوان) داخل حالة مسلحة تتكامل مع تطلعات حزب الله وحماس لتصبح بمثابة فصيل سني داخل الحرس الثوري الإيراني.
 
وبدأ هذا التحول عبر ترجيح كفة الجناح التقليدي داخل الجماعة الإسلامية الذي يتحكم في النشاطات العسكرية والأمنية، مقابل تهميش القيادات التي تبنت الاعتدال وإعلاء المصلحة اللبنانية من خلال الدفع باتجاه تشكيل تيار سياسي سني وازن، واستقالة العديد من الوجوه التي قررت الابتعاد لرفضها الزحف نحو العسكرة والارتهان للثلاثي إيران وحزب الله وحماس.
 
وأسهم في هيمنة جناح محمد طقوش الموالي لحماس وحزب الله على مقاليد الجماعة الإسلامية في لبنان، وجود درجة من الجاهزية ومكونات عميقة داخل الجماعة لهذا التحول منذ سنوات، ممثلة في الجمعيات والهيئات الصحية والاجتماعية التي تتلقى دعمًا ماليًا من إيران، والجناح العسكري المعروف بـ”قوات فجر”، فضلا عن الجناح الأمني الذي يحظى بصلاحيات واسعة ويتقاضى عناصره رواتب شهرية من حركة حماس.
 
وساق الجهازان العسكري والأمني، والقادة الموالون لحزب الله وإيران وحماس الجماعة الإسلامية في لبنان، إلى تشكيل تحالفات واكتساب هوية جديدة مختلفة عن تلك التي كانت عليها خلال مرحلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عندما كانت تحت قيادة فيصل مولوي الذي ساير مشروع الحريري الوطني بهوية تنتسب إلى الدولة الحديثة ضمن مسار نضال سلمي في مجال العمران والتعليم بعيدًا عن العسكرة والميليشياوية.
 
ورفض فيصل مولوي أي ظهور مسلح خارج إطار الدولة معتبرًا الغزوة التي نفذها حزب الله في مايو 2008 ضد تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي جرحًا أعمق من جراح حرب العام 2006، بينما نفذت الجماعة الإسلامية تحت قيادة محمد طقوش المرتبط بالميليشيا الموالية لإيران ثلاثة عروض عسكرية في شوارع لبنان، عُدّت بمثابة استعراض قوة مُوجَه للفرقاء بالداخل وليس لإسرائيل.
 
ويرمز انحسار التيار السياسي السني المعتدل ممثلًا في تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، والجناح المعتدل داخل الجماعة الإسلامية، إلى تراجع ملحوظ في عموم المنطقة العربية للقوى السياسية الممثلة للسنة، بالتوازي مع صعود أخرى مرتهنة لمحور إيران وخادمة لمصالح أذرعه في المنطقة، كما يجري بنسب متفاوتة في كل من لبنان واليمن والعراق والأردن.
 
ويستفيد حزب الله اللبناني من الفراغ السني بتمكين ميليشيا سنية يحرز عبرها تمددًا غير مسبوق داخل المكون السني وتواجدًا مكثفًا في مناطق الشمال وداخل مساحات سنية واسعة كانت محظورة عليه لسنوات، إلى جانب استفادته من الفراغ الموجود على مستوى الدولة وإحداث المزيد من تغيير المعادلات، وتعديل التركيبة السكانية بإدخال الآلاف من السوريين إلى لبنان.
 
 
وتطرح الجماعة الإسلامية اسمها كممثل عن سنة لبنان بديلًا عن تيار المستقبل الذي علق نشاطه السياسي عبر صيغة حضور مختلفة عنوانها الرئيسي تقليد السياقات الشيعية في اكتساب النفوذ المحلي وهي التي لم تصل يومًا إلى مواقع صنع القرار في لبنان من خلال سلاح في ظاهره مقاومة إسرائيل بينما يعدّل من الأوزان السياسية ويفرض معادلات جديدة على قوى الداخل.
 
وتنظر الكيانات المتحالفة سنية وشيعية إلى المناوشات على الحدود مع إسرائيل كمرحلة عابرة في الطريق لتعزيز المكاسب السياسية في الداخل اللبناني بتشكيل تكتل نيابي يضم حزب الله والأحباش والجماعة الإسلامية، ما يقوّي جبهة حزب الله السياسية ويمكنه من مواصلة ارتهان المشهد اللبناني لإيران بعد الحرب.
 
ويخطط حزب الله عبر تطوير التكتل السني – الشيعي في لبنان لتحقيق هدف إضعاف الفضاء السني وضمان عدم بعثه مجددًا بزعامة سنية تنتمي للحريرية السياسية أو غيرها تناوئ نفوذه وتطالب بالحد من صلاحياته والخصم من مكتسباته، كما يتيح التذرع بسلاح السنة في لبنان للحزب التعامل مع المنادين بسحب سلاحه.
 
وبات الحضور الميليشياوي المسلح هو المفضل لتيار الإسلام السني عبر آلية نشاط جديدة تشكل امتدادًا لحركة حماس التي استندت إلى سلاحها في محاربة السلطة الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وامتيازات نابعة من العسكرة والمرابطة على الحدود، لا من الاستحقاقات السياسية والوطنية.
 
ويظل الضامن الأقوى لعدم تكرار الظاهرة في ساحة عربية أخرى هو حضور الدولة ومؤسساتها وعدم ارتهان مكون من مكوناتها لمحور إيران واحتكار الدولة للقرارات السيادية وحمل السلاح، في ظل جاهزية أذرع الإخوان بالمنطقة للتحول إلى الميليشياوية المرتهنة لمحور هو أكثر جاهزية لتقديم الدعم بكافة أشكاله.
 
 
المصدر: العرب اللندنية