العلمانية
المسلمون في الهند.. صراع مرير من أجل إثبات المواطنة

بوجا بوليسي

الخميس 3 تشرين الأول 2024

في مكتب بسيط يقع في قلب حي مسلم في جنوب مومباي، يتفحص المحامي نديم صديقي الأوراق المبعثرة على مكتبه. وعلى أحد الجدران توجد لافتة مكتوب عليها “وثيقتي، هويتي”، بينما يصطف في الجهة المقابلة له، رجال ونساء من المسلمين في طوابير، ينتظرون بقلق شديد فرصة لتصحيح وثائقهم.
 
إن تدافع العملاء المذعورين هو رد فعل على قانون تعديل المواطنة، وهو مشروع قانون تم تمريره في 2019 وأصبح الآن واقعا ملموسا. يقول مؤيدو القانون إنه سيوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون إلى الهند ويضمن ما يسمى بعودة الوطن للهندوس المضطهدين من الدول المجاورة للهند، ويصف المعارضون هذا القانون بأنه “معادٍ للمسلمين” و”غير دستوري“.
 
أثار هذا الأمر مخاوف عميقة بين المسلمين الهنود بشأن وضعهم في ظل حكومة معادية لهم على نحو متزايد. ففي 21 نيسان/ أبريل، وفي تجمع انتخابي خلال الانتخابات العامة في الهند، وصف ناريندرا مودي، رئيس الوزراء، المسلمين بأنهم “متسللون” يريدون الاستيلاء على ثروات الهند. ولجأ بشكل متزايد إلى الخطاب المعادي للمسلمين خلال الحملة الانتخابية قبل أن يصبح رئيس وزراء لولاية ثالثة.
 
ويوفر قانون المواطنة فرصة للحصول على الجنسية لستة أقليات دينية من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، ولكن ليس المسلمون من بين هؤلاء. وقد اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، عندما تم توقيع مشروع القانون في كانون الأول/ ديسمبر 2019، مما أدى إلى مقتل 31 شخصًا على الأقل وتم احتجاز الآلاف في مراكز الشرطة.
 
وكانت الاحتجاجات أيضًا رد فعل على السجل الوطني للمواطنين – وهي قائمة نهائية من المواطنين، كما يقول أنصارها، ستحدد المواطنين الشرعيين في الهند وترحل المهاجرين الذين يعيشون بشكل غير قانوني في البلاد.
 
وقال صديقي، الذي يعمل متطوعًا لمساعدة الناس على استخراج الوثائق التي يحتاجون إليها للحصول على الجنسية: “خلال السنتين الماضيتين، ساعدت أكثر من 40 ألف مسلم على تصحيح وثائقهم”. وفي يوم عادي، كان يستقبل حوالي 60 مسلمًا في مكتبه، ولكن في الشهرين السابقين لتقديم قانون تعديل المواطنة مجددا هذه السنة، أوضح أنه “قد تضاعف عدد الزوار إلى حوالي 135 شخصًا يوميًا”.
 
ويقول المعارضون إن قانون المواطنة، الذي انتقدته الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، يصبح إشكاليًا عند النظر إليه مع السجل الوطني للمواطنين؛ إذ يمكن استخدام القانونيين معا لاستبعاد المسلمين أو حتى طردهم. أما الأشخاص من الطوائف الدينية الأخرى الذين يخالفون السجل الوطني للمواطنين فإنهم يتمتعون بحماية قانون تعديل الجنسية، مما يسمح لهم بالبقاء إذا وصفهم السجل الوطني للمواطنين بأنهم “غير قانونيين”، بينما لا يتمتع المسلمون بمثل هذه الميزة.
 
وكانت الحكومة أعلنت عن تنفيذ قانون تعديل المواطنة في آذار/ مارس، قبل أسابيع قليلة من بدء الانتخابات العامة في الهند، وهي الخطوة التي وصفها المعارضون بأنها “مناورة محسوبة” تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الانتخابي وتعزيز صورة مودي باعتباره نموذجًا للزعامة الهندوسية. وفي الوقت نفسه، صاغت حكومة مودي قانون تعديل المواطنة باعتباره قانونا يحقق “العدالة للهندوس المضطهدين” وحاولت تجنب ربطه بالسجل الوطني للمواطنين.
 
وقالت ميناكشي غانغولي، نائبة مدير قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش، إن قانون المواطنة هو انعكاس لأيديولوجية الأغلبية في حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي. وأضافت: “إن إدخال قانون تعديل المواطنة حيز التنفيذ، في ضوء التصريحات السابقة حول التخلص ممن يُسميهم بالمتسللين، من المرجح أن يسبب قلقًا شديدًا بين المسلمين الهنود”.
 
تعد ولاية آسام في شمال شرق الهند الولاية الوحيدة التي لديها سجل وطني للمواطنين، وتم إعداده لأول مرة سنة 1951، وتم تحديثه في 2019؛ وكان على ثلاثة وثلاثين مليون نسمة من سكان آسام إثبات جنسيتهم من خلال الوثائق، من خلال إثبات أنهم أو أسلافهم قدموا إلى الهند قبل أن تصبح بنغلاديش المجاورة دولة مستقلة سنة 1971.
 
واستبعدت القائمة النهائية، التي نُشرت في آب/ أغسطس 2019، 1.9 مليون شخصا من السجل. واعتبرت لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية في وقت لاحق أن السجل الوطني للمواطنين في آسام كان أداة “لاستهداف الأقليات الدينية، وعلى وجه الخصوص، لتجريد المسلمين الهنود من الجنسية”.
 
وبسبب التطورات في آسام، قالت زكية سومان، مؤسسة منظمة “بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان”، وهي منظمة حقوقية تدافع عن المسلمين، إن المخاوف بين المسلمين البالغ عددهم 200 مليون في الهند مبررة، حيث انتهى الأمر بآلاف المواطنين الأصليين في معسكرات الاعتقال في آسام بعد تطبيق السجل الوطني للمواطنين في الولاية.
 
ووصفت قانون تعديل المواطنة بأنه “تمييزي”، مبينة أن هناك الكثير من الهجمات على المسلمين في الهند سابقا، وأن “هذا القانون سوف يتحول الآن، عندما يكون ذلك مناسبًا، إلى أداة أخرى في أيدي المحرضين على الكراهية”.
 
وقالت سومان إنه رغم أن تداعيات قانون تعديل المواطنة قد لا تكون واضحة على الفور، “فقد شهدنا هذا النوع من المضايقات والاستهداف للمجتمعات المسلمة في كل مكان”، على غرار ما حدث في ولاية أوتاراخاند شمال الهند في وقت سابق من هذه السنة؛ حيث اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق بعد أن قام مئات من رجال الشرطة والمسؤولين المدنيين بهدم مدرسة إسلامية ومسجد زعموا أنه “تم بناؤها بشكل غير قانوني”.
 
وأضافت: “إذا ذهبت وهدمت المدرسة، ثم قاوم السكان، ثم أطلقت الشرطة النار مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، ثم وقعت اعتقالات، وكل هذا يحدث لفئة واحدة فقط، فالقتلى هم أيضًا من نفس الفئة، وكذلك المنازل التي يتم هدمها أيضًا، وأولئك الذين يتم اعتقالهم هم أيضًا من نفس الفئة”.
 
يسيطر الخوف على المسلمين بشكل كبير. ففي ظل حكومة مودي، كان التمييز ضد المسلمين في الهند واضحًا في الإجراءات التشريعية وكذلك على مستوى التطبيق، مع موجة من عمليات الإعدام الغوغائية والعنف ضد المسلمين بحجة حماية البقر، وما يعرف “جهاد الحب“، وغيرها من الاتهامات.
 
وفي تقريرها لسنة 2023 عن حقوق الإنسان في الهند، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى حالات من قبيل العنف ضد الأقليات في الهند، ووثقت “تقارير موثوق بها قيام جماعات مسلحة بقتل المسلمين وأفراد من طائفة الداليت بسبب نقل أو ذبح الماشية”.
 
بدا المسلمون -مثل يوسف كالاني البالغ من العمر 70 سنة، وهو من سكان مومباي، والتقيت به في مكتب صديقي في آذار/ مارس-، مترددين عندما سألتهم عن قانون المواطنة. قال كالاني إن المسلمين ليسوا خائفين من قانون تعديل المواطنة ولكن “الأوقات والوضع الذي نعيشه اليوم … من الإعدامات الجماعية أو غيرها من المشاكل التي يواجهها الناس … لتجنب هذه المشاكل، يقوم الناس بإعداد وثائقهم”.
 
وفي مومبرا، وهي بلدة تقع في منطقة ثين غربي الهند، حيث يعتنق 85 بالمائة من السكان الإسلام، يتشارك الناس مخاوف مماثلة. تقول كوثر أنصاري، التي تعمل كمستشارة في منظمة محلية غير حكومية تسمى “عواز نسوان”، إنه بعد التطورات التي حدثت حول قانون تعديل المواطنة هذه السنة، اتصل بها العديد من الأشخاص، قلقين بشأن المصير الذي ينتظرهم، معتبرة أن قانون تعديل المواطنة هو مقدمة لتنفيذ قانون السجل الوطني للمواطنين.
 
وأضافت كوثر: “المسلمون خائفون لأننا نراقب ولاية آسام، وما يحدث للمسلمين هناك، وحتى ما يحدث للهندوس هناك. إنهم يُحتجزون على الرغم من امتلاكهم لجميع الوثائق، فكيف يمكن للمسلم العادي ألا يشعر بالخوف؟”.
 
يعقد صديقي اجتماعات كل يوم أحد لزيادة الوعي حول مدى أهمية قضية الوثائق، ويزوره المسلمون من جميع أنحاء ولاية ماهاراشترا لطلب المساعدة. ويقول في هذا السياق: “أقول لهم إنه إذا كانت وثائقهم جاهزة، فلا داعي للخوف من قانون تعديل المواطنة أو السجل الوطني للمواطنين”.
 
ولكن ترتيب الأوراق ليس بالأمر السهل. فقد أدت التناقضات في تهجئة الأسماء والأعمار، والأوراق المفقودة، وعدم القدرة على رفع الدعاوى القانونية بسبب الفقر والأمية، إلى استبعاد ما يقرب من مليوني شخص من السجل الوطني للمواطنين في ولاية آسام ــ وهي العملية التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “رديئة وغير مكتملة” وأنها هيأت البيئة لاستهداف الأقليات.
 
وقال صديقي إن النظر في وثائقه الخاصة أظهر له مدى صعوبة الأمر، مضيفًا: “لم أقارن أبدًا بين الوثائق الأربع أو الخمس التي كانت بحوزتي، إلا أنني أدركت أن اسمي الأول، نديم، مكتوب بهجاء متباين في بعض الوثائق، وكذلك اسم والدي “محمد”، والذي كان مكتوبًا بشكل صحيح في وثيقة واحدة، بينما كُتب في وثيقة أخرى “م.د”، وفي وثيقة ثالثة كان مكتوبًا “مُهد”، وهو ما جعلني أدرك أننا لم ننتبه أبدًا لهذه الأخطاء الصغيرة”.
 
بدأ المحامي بعد ذلك عملية تصحيح وثائقه بنفسه، وهي العملية التي استغرقت منه حوالي ثلاثة أشهر. وأضاف: “إنها عملية مرهقة، فكل مستند يستغرق من 10 إلى 15 يومًا؛ حيث يطلبون هذه الوثيقة، ثم تلك. وعندها أدركت أنه على الرغم من كوني متعلمًا ومحاميًا، فقد استغرق الأمر مني ثلاثة أشهر لتصحيح وثائقي. في حين أن الكثير في الهند أميون، فماذا سيحدث لهم؟”.
 
كما أثارت تكاليف إعداد الوثائق وتصحيحها انزعاجه، قائلًا: “في ولاية آسام، أنفق الناس 10 آلاف روبية [حوالي 120 دولارًا] على إعداد وثيقة واحدة، وهي وثيقة لن تزيد رسومها الرسمية عن 50 روبية [60 سنتًا]، وبهذا لن يواجه الأغنياء أي مشاكل، لكن الفقراء سيقعون في المشاكل”.
 
تتفق كوثر أنصاري مع هذا الرأي، مشيرة إلى أن الوكلاء في منطقتها يتقاضون ما لا يقل عن 500 إلى 1000 روبية (حوالي 6 إلى 12 دولاراً) لإعداد وثيقة واحدة. يعتبر المسلمون أفقر طائفة دينية في الهند، وتشكل هذه الرسوم التي تبدو زهيدة عبئًا عليهم، كما تفرض البيروقراطية الحكومية تكاليف أخرى، وتقول أنصاري: “إذا ذهبت إلى مكتب حكومي، ستجد طوابير طويلة للغاية، كما لا توجد مرافق. وفي كثير من الأحيان، تكون خوادمهم معطلة”.
 
إن معدلات التعليم في المجتمع المسلم هي الأدنى في الهند، وهو ما يشكل أيضًا عائقًا أمام تصحيح الوثائق أو إصدارها عبر الإنترنت. يقول إرشاد خان، حارس الأمن البالغ من العمر 56 سنة، والذي كان ينتظر في مكتب صديقي لاستخراج جواز سفره، إنه يدرك أن عملية تقديم طلب جواز السفر تتم عبر الإنترنت ولكنه ليس متعلمًا بما يكفي لبدء أو إكمال العملية عبر الشبكة.
 
يضيف خان: “في مكتب الحكومة، عليك أن تقف في طابور للحصول على كل شيء، ولكن مع [صديقي]، سوف يرى كل الوثائق، وسيخبرنا بما ينقصنا. وإذا كان بإمكانه القيام بذلك، سوف يفعل ذلك بنفسه، أو سيوجهنا إلى المكان المناسب. سوف يرشدنا إلى الطريق؛ فالحكومة لا تقوم بذلك”.
 
مع ذلك، تعتقد كوثر أن الحصول على الوثائق لا يضمن الحماية من قانون المواطنة، وتقول: “الناس في آسام، حتى إن كان لديهم جميع وثائقهم، ما زالوا يعانون كثيرا. أشعر أنه إذا قررت الحكومة القيام بشيء ما.. فلا يمكنك المعارضة. فكل من يرفع صوته ضدها تعرف كيف تردعه”.
 
ويؤيد سيد عليم، وهو مسلم يبلغ من العمر 80 سنة ويقيم في حي ناجبادا في مومباي، هذا الرأي، قائلًا إنه لا يخاف من قانون تعديل المواطنة أو السجل الوطني للمواطنين لأنه يمتلك وثائقه، “ولكن إذا حدث خطأ ما على الرغم من وجود الوثائق، فماذا يمكننا أن نفعل؟ أشعر أن هذا الأمر ممكن لأننا نرى ما يحدث في البلاد”.
 
 
 
المصدر: فورين بوليسي - نون بوست