لبنان في العالم
موجات الهجرة الى استراليا وحكايا الامل والخيبات

دنيز عطالله حداد

الخميس 27 نيسان 2017

استراليا منظورا اليها من لبنان هي حقا بلاد بعيدة. لكن ذلك في الجغرافيا فقط. فتلك البلاد الواقعة في جنوب شرق آسيا على غرب المحيط الهادئ، عرفت كيف تقرّب المسافات بين كل دول العالم. فهي تشرع ابوابها للمهاجرين. تتقبل تنوعهم وتحترمه، وتعرف كيف تجعله مصدر الهام وتطور وغنى.


لا يمكن لأحد أن يجزم قطعاً من كان اللبناني الاول الذي وصل الى استراليا. الأكيد أن قسطنطين مالك أتى الى سيدني عام 1880. ووصل بيتر خليل فخري ابن الـ18 عاما الى ملبورن عام 1881. لكن قصة الاغتراب اللبناني في استراليا لا تكتب فقط بالتواريخ ولا تُقرأ بالارقام. هي حكايا أفراد تستحق أن تؤرخ لتروي قصة كل رجل وامرأة قادتهم دروب الحياة وظروفها الى ذلك البلد البعيد.


منهم من ظنّها «البلاد الجديدة» فحط رحاله حالما بالثروة والاكتشاف والمغامرة. منهم من ضاقت به السبل فكانت المقصد الأخير. منهم من أراد الهروب أو التحدي أو المغامرة أو الغرق في النسيان. آخرون هاجروا طلباً لحياة جديدة يرسمونها وفق أحلامهم.

يقول الدكتور تريفور بتروني، وهو عضو في لجنة التراث اللبناني إن الهجرة اللبنانية الى استراليا تمت أساساً على ثلاث مراحل. «موجة الهجرة الاولى كانت ما بين 1880 و1920 وضمت حوالي 1700 لبناني. وكان جدي من بين هؤلاء. ففي سنة 1911 سجل في استراليا 1542 لبنانيا غالبيتهم من المسيحيين. وجاءت موجة الهجرة الثانية الكثيفة بعد الحرب العالمية الثانية، أما الموجة الاخيرة فكانت مع بدايات الحرب اللبنانية». يروي بتروني قصصاً كثيرة عن مسيرة هؤلاء. من «الكشة» الى العمل في المصانع وصولا الى إسهامهم في بناء استراليا وازدهارها.


يخلد «متحف الحرب» في استراليا ذكرى نقولا الخوري. هي قصة من بين 600 قصة لم تروَ أو تحفظ لشبان من أصل لبناني التحقوا بالخدمة العسكرية وخدموا في الجيش الاسترالي في خلال الحرب العالمية الثانية. لن نعرف حكايات كل واحد منهم. لكن قصة نقولا تختصر الكثير من مرارة الحياة والهجرة. فقد حملته الأقدار بالخطأ الى استراليا، بعدما رسمت له أحلامه طريقا وردية الى البحبوحة والاستقرار. ذبلت الأحلام سريعا. لكنه لم يكن يملك المال ليعود الى لبنان. التحق بالجيش الاسترالي ليكون بطاقة عودته الى الأرض التي ينتمي اليها. لم يُسجل في المتحف اسم قريته، لكنهم كتبوا أن نقولا كان على بعد مئة متر من بلدته حين أصيب وسقط شهيدا.


           عن جدة رئيس الوزراء

يخبر بتروني عند اليزابيت الدبس. هي ابنة الخنشارة التي توفي زوجها ولديها ثلاثة أطفال صغيرهم لا يتجاوز عمره الأشهر. وضعت أطفالها في عربة وراحت تتنقل بهم وتبيع الملابس والأقمشة. بعد عدد من السنوات، وقف أحد أبرز رؤساء وزراء استراليا ستيف براكس ليفتخر بأنه حفيد اليزابيت ووريث ما اختزنته من جرأة وانفتاح ومواجهة الصعاب.


يروي سالم حداد، وهو ايضا عضو في لجنة الحفاظ على التراث اللبناني، قصص نجاح وكفاح كثيرة. يتوقف خاصة عند تضامن اللبنانيين في استراليا و «عيشنا كعائلة واحدة لا نسأل عن طائفة أو منطقة أو جذور». يحكي كيف أمضى نحو عشر سنوات يعمل مع صديق مقرّب له ولم يعرف طائفته إلا حين دعاه الى زواجه. وبحسرة يضيف "مع الأسف تغيرت الامور بعد الحرب اللبنانية حين حمل اللبنانيون انقساماتهم وخلافاتهم وحزبياتهم معهم. فصارت الجالية منقسمة بطريقة أو بأخرى".اذا كان نقل الانقسامات والخلافات والحساسيات السياسية والطائفية بعضا من الصورة المؤسفة للاغتراب في استراليا، إلا ان لها جوانب مشرقة كثيرة. فهنا لا يمكن اختصار الاغتراب بالمرارة والحسرة والشوق فقط. فقد اكتسب المغتربون اللبنانيون في استراليا الكثير. تعلموا وتأقلموا وتشاركوا مع الاستراليين الأفكار والمبادئ والأحلام. حقق كثيرون منهم طموحاتهم. منها طموح الحياة الهادئة والهانئة على بديهيتها المفقودة في لبنان. ومنها طموحات النجاح الباهر على صعوباته وتحدياته. صار كثيرون منهم استراليين من أصل لبناني. لا يقلل ذلك من لبنانيتهم ولا من استراليتهم. ومع ذلك، شأنهم شأن كثير من المهاجرين، تتنازعهم هويات متعددة وطنية وقومية وطائفية ومناطقية. كلها مجتمعة جعلتهم على ما هم عليه، وهو ليس بالقليل.


يقول حداد إن اللبنانيين "يملكون في استراليا عموما صيتا حسنا بفضل تميّزهم واجتهادهم ومثابرتهم وبراعتهم في العديد من المجالات". يضيف: "لا يؤثر في ذلك بعض التجاوزات من لبنانيين يبقون أفرادا لا يعكسون وجه الجالية الكبيرة العدد والمنتشرة في كل استراليا".


وعن عدد الجالية يقول بتروني "لا إحصاءات شديدة الدقة. لذا قد تتضارب الارقام. فحتى العام 1950 كانوا يدعون الجميع سوريين. وكثر ممن كانوا في تلك الحقبة وما قبلها انخرطوا انخراطاً شبه تام في المجتمع الاسترالي وذابوا فيه، خصوصا من سكنوا في مدن ليست فيها نسبة مهاجرين مرتفعة. ولكن التقدير اليوم ان هناك حوالي 350 الف لبناني بينهم نحو 81 الفا ولدوا في لبنان، ومن تبقى هم من مواليد استراليا".


يصعب اختصار تاريخ الجالية اللبنانية في استراليا أو رواية مسيرة أفرادها وتعداد نجاحاتهم في أسطر. هي حكايات متواصلة وحيوات أفراد عاشوها ويعيشونها بكل ما في العيش من خيبات ونجاحات وعاديات.


المصدر: ليبانون كورا