فكر حر
الانتصار على الموت

كمال جنبلاط

الأربعاء 7 حزيران 2017

ندد بعض الوقواقين السخفاء بموقفي من مصرع سعاده، بالرغم مما أعلنته حول موقفي العقائدي، وحول دفاعي عن معتقدي الإنساني في الفكر وفي الحياة.


جوابي الوحيد لهؤلاء المساكين: إنني أحب الأبطال حتى في ألدّ الأخصام، أو الذين في غيّهم يعتبرون أنفسهم أخصاماً، وإنني أحببت البطولة بسعاده، تلك التي تجلّت في موته. لقد كانت عظمة سعاده في موته –إذا أجاز لي ذلك- أكثر مما كانت عليه في حياته، على الرغم من اعتقادي الذي لم يتغير، فقد كان الرجل صاحب مدرسة.


إن تقبله الموت بهذه البساطة، وبهذا الخشوع الواعي البصير، وبهذا السكون، وقد لا تعني الشجاعة ما يعنيه السكون من جلال وروعة وانفتاح، وبهذا قد فتح في نفوسنا كوات مطلات مشعات على دنى جديدة.


بالرغم من الألم والتمرد العاجز، والثورة الكامنة على الجريمة الشنيعة التي ارتكبها بيلاطوس ورفقاؤه، والذي كان يسيطر على كل خلية من خلايا (الوطن)، وبالأحرى، وربما تحت تأثير ذلك الألم، وذلك التمرد، وتلك الثورة، فتجدد الذكاء فينا واقتدَّ الذهن وشُحذ الحسّ ولُطفت بصيرتي إلى أقصى ما يتصور (الإنسان)، فأدركنا الحقيقة البشرية.


كان سعاده، وفق نظرتي الشخصية، وحتى موته،"فاغزي" النزعة أو "غوتي" الميول والتصرف، أو هذه النزعة جاءت ربما لتأثره بالثقافة الجرمانية – وإذا جاز لي توضيح هذه النزعة وهذه الميول لأوضحتها بـ المعتقد المجتمعي الصرف، فكرة الشخصية القائدة، التنظيم الشامل، مبدأ العنف المادي والمعنوي، الطموح اللامحدود، الفضيلة القاهرة، وبالتالي، الاحتكاك المستمر والتصادم الدائم مع الواقع، وتحويله قسراً إلى ما يراد منه:"في البدء كانت المشيئة مكان الفعل، وكانت المشيئة وحدها ومن ثم ظهر الحب – سسبب الانسجام- والجمال والفضيلة".


أما في موته، فقد ارتفع (سعاده) إلى مستوى الانسجام المطلق مع قوى التطور ومكر الحياة...كأنها سيمفونيا لبيتهوفن، أو انفلات لروح أحد كبار المتصوفين المحققين المتحررين من ذاتهم، يبصقون جُثثهم بصقاً كأنها قميص تُشلح، أو وعاء الاطمئنان القادر يُطرح بعيداً...


في البدء كانت المحبة، وكان السكون (الذي هو أجدى من الفعل)، وكان الجمال (وهو هيكل الأفكار الأفلاطونية الذي منها انبثق كل الوجود).


-    لقد كانت حياتك اختبار


إن الوجودية المجتمعية الصرف التي عشتها كانت، في الواقع، مرحلة للوجودية الإنسانية التامة التي تحولت إليها وتجلت فيك ساعة استشهادك.


لقد كانت حياتك – كحياة كل رجل مخلص لذاته – اختبار... واختيار وجودي مجتمعي. وكان الحزب امتداداً لشخصيتك وحقلاً لهذا الاختبار. وكنت أنت هو، ينعكس فيه (وبك) اختبار الحزب. فكان الحزب الطريق وكنت أنت للحزب الطريق...


ولا بد من هذا التفاعل بين الفرد والجماعة في سبيل صيرورتنا وصيرورة المجتمع التامة، ولا غرو، فالطريق هي واحدة.


إن الاختبار الإنساني والعملي العميق في جميع الأقاليم والأزمنة يوضح لنا:


-    إن الوجودية المجتمعية كوجودية الشخصية، وكالوجودية الإنسانية، تتلاقى في النهاية في أهدافها الرامية إليها، وفي جوهرها. فكل وجودية منفتحة على غيرها. وليس من معنى للوجودية إن لم تكن اختباراً للحياة، عميقاً وشاملاً، تتحقق فيه قيم الحق والخير والجمال فينا.


فالحق والخير والجمال هي قيم الوجود - الوجود التام الشامل للمادة وللروح على السواء.


فوحدة الحياة هي وحدة الوجود، لأن الحياة واحدة والوجود واحد.


لقد كانت حياة سعاه اختباراً...


لقد كانت حياته – كحياة كل رجل مخلص لذاته ولحقيقته – اختباراً.


حقّ التقدّم هو حقّ الصراع



فخامة رئيس الجمهورية/ بيروت:

يتزايد قلق الرأي العام على مصير الحريات في هذا البلد، بخاصة حرية الفكر وحرية العمل السياسي، ومن ضمنها حرية التشكيلات النظامية. وكل هذا لا يتفق مع القوانين المرعية، ولا مع أوضاع البلدان الديمقراطية البرلمانية. وأساس النظام الديمقراطي البرلماني قائم على حرية الصراع. فليترك للأحزاب جميعاً مجال العمل والحياة... ولا خوف على البلاد منها، فلا بد للتقدمية أن تتغلب وأن تنتصر:"وحق التقدم هو حق الصراع".


وإننا نطالبكم بصورة خاصة، وبإلحاح، أن تبدلوا العقوبات، ومنها أحكام الإعدام التي صدرت أخيراً بحق فريق من المتهمين في حوادث الحزب القومي الاجتماعي؛ فليعامل المحكومون بالرأفة، وبالتسامح الذي تتطلبه مثل هذه الأجرام السياسية، وقد يتوفر لها من شريف المقصد ما لا يتوفر للجرائم العامة العادية.


وقد يكون من الحكمة من قِبَل حكومة لبنانية استجلابهم للقضية اللبنانية لا إبعادهم عنها.


استجواب مقدم إلى رئيس الحكومة

حضرة رئيس مجلس النواب المحترم:


مهما اختلفت العقد السياسية بين رجل ورجل، فللضمير علينا واجب، وللمثالية حق، وللإنسانية والرسالة الحزبية في عنقنا مسؤولية، لا يتعرف عليها إلا أصحابها، وهم صفوة مختارة في هذا الوجود، ولأجلهم سُخِّر هذا الوجود.


فإنني كمواطن، وكإنسان، وكمفكر يؤمن بقيم هي فوق المعتقدات المجتمعية، أطلب استجواب الحكومة اللبنانية، باسمي، وباسم الجيل المخلص الواعي، حول الظروف الغامضة التي أحاطت القضاء على الأستاذ أنطون سعاده، رئيس الحزب القومي الاجتماعي، إثر عملية هي من السرعة بحيث كانت أشبه بعملية تطهير إدارية، بعد أن تألبت عليه عناصر الرجعية الطائفية والمصلحية، وهو رجل عُرفَ عنه أنه رجل عقيدة، ومؤسس مدرسة فكرية كبيرة، وباعث نهضة في أنحاء الشرق قد يندر لها مثيل...


إن الشعب اللبناني لا يزال تحت وطأة كابوس الألم والحيرة والامتعاض من جراء التدابير المستغربة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية بحق رئيس الحزب القومي الاجتماعي.


أما النص الكامل لهذا الاستجواب فسيسلم إليكم عما قريب. مع رجائي تبليغ الحكومة والمسؤولين أن عمليات التخلص من كبار الشخصيات والقادة التقدميين لا تفيد شيئاً، وقد تأتي عكس رغبات المتولِّين. فالجيل الواعي الجديد لا يخاف الموت، والموت غبطة وإشراق وانعتاق، لأنه السبيل لتوحيد الشخصية مع الإنسانية ومع ذات الوجود. والتضحية تجلب التضحية، والإيمان الذي كان عليه من بنيه شهادة يذكيه يقين الحقيقة، ويدفعه نحو الغلبة الساحقة ونحو الانتصار.


وقد قال سعاده:" الحق انتصار يشهد للنفوس التي انتصرت بأنها أصابت، ويشهد على النفوس التي انخذلت في الباطل أنها أخطأت. والانتصار هو الانتصار الأخير- هو الانتصار في صميم المجتمع- هو انتصار المجتمع بيقينه في ما هو الحق. و"ليست قيمة الحق وقيمة الحقيقة والخير والجمال مادية...لذلك هي قيم انتصار الروح – انتصار النفسية القوية الجميلة...".
                      
                 
رسالة إلى رئيس المجلس النيابي

حضرة رئيس المجلس النيابي:


إثر استجوابي الأخير عن قضية سعاده، ورد في بعض الصحف، وعلى لسان المراجع الرسمية، أن في نيّة الحكومة الممثلة برئيسها أن تتقدم من المجلس النيابي اللبناني بطلب رفع الحصانة النيابية عن شخصي تمهيداً لمحاكمتي، على أساس التهم الصريحة التي وجهتها في استجوابي لهذه الحكومة. وذلك بالرغم من أن حق الاستجواب هو من الحقوق البديهية التي يتمتع بها النائب – فإذا بَطُلَ بَطُلَت صفة النيابة – وبالرغم من أن الدستور اللبناني ينص صراحة:


-    المادة التاسعة والثلاثون:"لاتجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته".


-    وبما أنه قد مضى زمن غير يسير ولم تتخذ الحكومة أي تدبير يحقق تصميمها بهذا الشأن فأصبح يحق لي أن أحثها على ما تهربت هي من تنفيذه، وبما أني اعتبر أن ما قلته بوجه الحكومة حق، وحق صريح لا مفر لي منه، ولا محيد لي عنه، وبما أنني كنت، ولم أزل، أتحمل مسؤولية أقوالي وأعمالي كاملة، وبجميع مستلزماتها، كرجل سياسي يحترم نفسه، وكأحد أبناء هذا الجيل الجديد الذي يهدف من وراء مجهوده إلى إيقاظ وتنمية شعور الضمير والمسؤولية في نفوس الأفراد والجماهير، وتلبية لرغبة بعض أصدقائي وإخواني، لي الشرف أن أطلب منكم، ومن هذه الحكومة، قبول احترامي برفع الحصانة النيابية عن شخصي. وفي حال عدم المبادرة لتلبية طلبي هذا، فإني سأتذ خطوة تالية يفرضها عليّ،طبعاً، تهرب الحكومة من تنفيذ تصميمها.



-    فما زلنا في صدد معركة المعرفة ضد الجهل، والعدالة ضد الاعتباطية وخرق القانون، فعلينا أن نتابع هذا المجهود حتى النهاية.