فكر حر
مئوية "لوريان لو جور": نافذة حرية لبنان وتنوّعه على العالم

نغم ربيع

الجمعة 12 أيلول 2025

تحتفل " لوريان لو جور"، أقدم صحيفة فرانكوفونية في الشرق، بمئويتها الأولى. كان يفترض أن يقام المهرجان العام الماضي، لكن قصف أيلول/سبتمبر 2024 على الضاحية، واغتيال حسن نصر الله ومع انهيار المشهد العام، أجّل كل شيء. واليوم، بعد عام، تعود الصحيفة لتقول بوضوح: "نحن هنا".
 
و"لوريان لو جور " تمثل اليوم نافذة لبنان الى العالم. لغتها الأم هي الفرنسية، وهي الوحيدة الناطقة بهذه اللغة بين الصحف اللبنانية. أما "لوريان توداي" الموقع الناطق بالانكليزية، أرادته واجهتها المستحدثة للوصول الى شريحة أوسع من القراء، خاصة الجيل الجديد منهم. 
 
من الجمعة 12 إلى الأحد 14 أيلول، تنظّم "لوريان لو جور" مهرجانها الأول تحت عنوان "رياح من الحرية". ثلاثة أيام من النقاشات والاحتفالات المفتوحة، يجتمع خلالها الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، ورئيس الحكومة نواف سلام، مع شخصيات إعلامية، وفنية وأكاديمية وناشطين. 
 
البرنامج واسع: قضايا دولية، سياسة، فن، رقابة، وذكاء اصطناعي. وحفلة موسيقية حصرية لإبراهيم معلوف.
 
وتقول نائبة مدير التحرير، ريتا ساسين لـ"المدن": "نتمسّك كثيرًا بهذا الحدث الذي تأجّل سنة كاملة بسبب الحرب، لأننا مقتنعون بأن مهمتنا، لا سيما في اللحظات المظلمة، هي أن نذهب أبعد من الواقع، أن نطلق النقاش، وأن نمنح القراء، وأنفسنا أيضًا فسحة من الحرية، وأن نلتقي بأشخاص لا يعرفوننا ولا نعرفهم إلا من وراء الشاشة". 
 
وعن التنوع في البرنامج تقول "يشبه تنوع مجتمعنا. الكل يستطيع أن يجد ما يستهويه."
 
فسحة حرية
 
للمرة الأولى في تاريخها، تنفتح الصحيفة على جمهورها بمهرجان كامل، لتقول إنّ المناسبة ليست مجرد احتفال بقرنٍ من العمر، بل إعلان موقف ورسالة واضحة: الصحافة قادرة أن تبقى مساحة حرية حتى في بلد يتفكك، وفي منطقة يلتهمها العنف والأيديولوجيات وتُسحق فيها الحرية عند كل منعطف. 
 
وبهذا المعنى، يتجاوز المهرجان حدود لبنان، ليطرح رؤية "لوريان" الأوسع لشرق أوسط ديموقراطي، متنوع، ومنيع في وجه أشكال التطرف كلها، من الخمينية إلى الإخوانية إلى الجهادية، وصولًا إلى البعثية وحتى اليهودية المتطرفة.
 
 
تقول ساسين: "لوريان لو جور هي قبل كل شيء مساحة حرية فريدة، ليس فقط في لبنان بل في المنطقة كلها. هذه الحرية وهذه الاستقلالية تجاه القوى السياسية والإقليمية والدولية هي أغلى ما نملك، وسنواصل الدفاع عنها مهما كانت التحديات". 
 
 
رحلة قرن
 
على امتداد مئة عام، تابعت الصحيفة كل التحولات اللبنانية: الحروب، الأزمات، الاحتلالات، والوصايات. لكنها لم تسلم من الحملات. وُصفت مرة بأنها "متصهينة"، ومؤخراً بأنها "إيرانية الولاء". وفي كل مرة، ردّت بالصحافة، بالتزامها المهني والإنساني، وكان أبرز تجلياته أخيراً، إصدار نسخة ورقية بغطاء أسود تضامنًا مع الصحافيين في غزة. فلسطين، منذ التأسيس حتى اليوم، ثابت أساسي في صفحاتها، وإن تغيّرت زوايا المعالجة وتشابكت.
 
تقول ساسين: "مضى قرن ونحن نناضل لبنانياً وشرق أوسطياً وصحافياً، وسنواصل القيام بذلك. لبنان حر، متعدّد، وذو سيادة".
 
بيان سياسي وثقافي
 
وقد يظن البعض أن المهرجان مجرد احتفال، لكنه في جوهره بيان سياسي وثقافي وصحافي. ذلك أن "لوريان لو جور" ليست صحيفة فرانكوفونية عادية، بل الصحيفة العريقة الوحيدة الباقية في العالم العربي الناطقة بالفرنسية. وهذا وحده يضعها في موقع استثنائي: فهي لا تنقل الأخبار فحسب، بل تحمل على عاتقها ذاكرة قرن كامل من علاقة لبنان باللغة الفرنسية، في وقت تتراجع فيه هذه اللغة يومًا بعد يوم. بقاؤها على قيد الحياة ليس مجرد خيار مهني، بل فعل مقاومة ثقافية، وحفاظ على هوية لغوية. 
 
هي إذًا الملاذ الأخير لصوت شرقي أصيل، يتكلم الفرنسية لا بصفته لغة استعمار، بل كأداة للتعددية والانفتاح. صحيفة تخاطب جمهورها الموزع بين الداخل والاغتراب، وتُذكّر بأن ثمة فسحة من الحرية والإنسانية ما زالت ممكنة. وبعد مئة عام على تأسيسها، تقف لتقول لقرائها: "لولاكم، لما وُجدنا. ومعكم، نتطلع إلى مئوية ثانية."
 
 
المصدر: المدن