إهانة براك للإعلام: الرئاسة تفشل في احتواء غضب الصحافيين
المدن
الأربعاء 27 آب 2025
حاولت رئاسة الجمهورية اللبنانية، إحتواء الغضب الناتج عن إهانة الموفد الأميركي توماس براك للصحافيين في القصر الجمهوري، لكن البيان المقتضب الذي نشرته، ولم تسمّ فيه براك بالاسم، زاد من حدة الانتقادات لها، في وقت تحولت القضية الى سجال سياسي وإعلامي.
وكان برّاك في طريقه إلى المنبر بعد لقائه الرئيس جوزاف عون، عندما أعرب عن انزعاجه من أجواء المؤتمر الصاخبة ومحاولة الصحافيين توجيه الأسئلة له، وتوجه إليهم بالقول: ""ذا لم تهدأوا واستمريتم في التصرف بفوضى حيوانية، سنرحل، وعليكم التصرف بحضارة".
وأثارت عبارة براك، جدلاً واسعاً، وتسببت بغضب كبير في أوساط الصحافيين اللبنانيين، معتبرين أن ما قاله ينطوي على إهانة. وبعد مطالبات له بالاعتذار، ودعوات لوزارة الإعلام ورئاسة الجمهورية بموقف، أصدرت الرئاسة بياناً أسفت فيه لما قيل على منبرها، واعتبرته غير مقصود، لكنها لم تسمِّ براك بالإسم.
وقالت الرئاسة في بيان، إنها تأسف "للكلام الذي صدر عفواً عن منبرها من قبل أحد ضيوفها اليوم"، وشددت على "احترامها المطلق لكرامة الشخص الإنساني بشكل عام". وجددت "تقديرها الكامل لجميع الصحافيين والمندوبين الإعلاميين المعتمدين لديها بشكل خاص"، ووجّهت اليهم "كل التحية على جهودهم وتعبهم لأداء واجبهم المهني والوطني".
وزارة الإعلام تُجهّل الفاعل
وفيما لم يحتج أي من الصحافيين المشاركين في المؤتمر الصحافي على وصف تصرفاتهم بـ"الحيونة"، وبينما التف المترجمون في ثلاث قنوات تلفزيونية على الأقل على المصطلح، وترجموه الى العربية بعبارة "الفوضوية"، تصاعد الغضب والتنديد في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الى النقابات ووزارة الاعلام التي لم تسمّ أيضاً براك.
وقال وزير الإعلام بول مرقص في بيان صادر عن مكتبه: "يأسف مكتب وزير الإعلام الدكتور بول مرقص، الموجود خارج لبنان، لما بلغه من تصريح صدر عن أحد الموفدين الأجانب تجاه مندوبي وسائل الإعلام في القصر الجمهوري". وأكد، "استنادًا إلى الاتصالات التي أجراها مع الدوائر المعنية في رئاسة الجمهورية، أن الإعلام اللبناني والزميلات والزملاء الإعلاميين يقومون برسالة نبيلة في نقل الخبر والحقيقة، رغم كل الصعوبات والتحديات، ضمن إطار من المهنية والالتزام". وشدّد على أنّه "يحرص على كرامة كل فرد منهم ومكانتهم على نحو مطلق ويعتزّ بهم".
نقابة المحررين
غير أن الجسم الإعلامي كان له موقف تصعيدي، فقد أصدرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بياناً قالت فيه: "مرة جديدة يتعرّض فيها الاعلام اللبناني لمعاملة أقل ما يقال فيها أنها خارجة عن أصول اللياقة والديبلوماسية والمؤسف أكثر أنها صدرت عن مبعوث دولة عظمى يقوم بدور ديبلوماسي على ما هو معروف".
وأضافت: "أن يبادر السيد توم براك بوصف تصرّف رجال وسيدات الاعلام في القصر الجمهوري "بالحيواني" أمر غير مقبول على الاطلاق، لا بل مستنكر جداً، ويدفع بنقابة المحررين إلى إصدار هذا البيان الموجه إلى شخص السيد براك خاصة وإلى مسؤولي الديبلوماسية الأميركية عموماً، تدعو فيه إلى تصحيح ما بدر عنه من خلال إصدار بيان اعتذار علني من الجسم الاعلامي". وقالت إن "عدم صدور مثل هذا البيان قد يدفع نقابة محرري الصحافة اللبنانية إلى الدعوة لمقاطعة زيارات واجتماعات الموفد الأميركي كخطوة أولى على طريق إفهام من يلزم أن كرامة الصحافة والصحافيين ليست رخيصة ولا يمكن لأي موفد مهما علت درجته أن يتجاوزها".
نقابة المصورين
بدورها، رأت نقابة المصورين الصحافيين في بيان إنّ "ما جرى اليوم في القصر الجمهوري من إهانة مباشرة لعدد من الصحافيين والمصورين اللبنانيين يُعدّ سابقة خطيرة ومرفوضة جملةً وتفصيلًا". وأكدت أنّ "التطاول على الجسم الإعلامي ليس أمرًا عابرًا ولا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، خصوصًا أنّه يحدث للمرّة الأولى بهذا الشكل الصادم، مما يشكّل مساسًا بمكانة الصحافة اللبنانية ودورها الرقابي الحر". وأكدت أنّ الاعتذار العلني والفوري من الصحافيين والإعلاميين الذين جرى التعرّض لهم هو الحدّ الأدنى المطلوب، مشيرة الى أنه "أي محاولة للتقليل من خطورة ما حدث أو تمريره من دون محاسبة ستُواجَه برفض قاطع وتصعيد من كل الجسم الصحافي".
من جهته، أعرب مجلس نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع عن استهجانه الشديد للتصريحات الصادرة اليوم من أمام القصر الجمهوري، التي وُصِف فيها الإعلاميون اللبنانيون بالفوضويين والحيوانيين. وقال إن "استخدام القصر الجمهوري كمنصة لهذه الإهانات يشكل إساءة للرمز الذي يمثل السيادة اللبنانية، ويضر بكرامة الإعلاميين والشعب اللبناني على حد سواء". وأكدت النقابة "ضرورة تقديم الاعتذار العلني والفوري من المسؤول المعني، حفاظًا على الاحترام المتبادل، وعلى كرامة الإعلام الوطني، وعلى ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة".
وطالب "اتحاد الصحافيين والصحافيات في لبنان"، برّاك "بتقديم اعتذار رسمي وعلني عمّا بدر منه تجاه الصحافيين، ونطالب السفارة الأميركية في بيروت بموقف تجاه هذه التصرّفات غير المقبولة، كما ندعو وسائل الإعلام اللبنانية والعربية إلى مقاطعة أنشطته ومؤتمراته الصحافية إلى حين اعتذاره".
سياسياً، اعتبرت النائبة بولا يعقوبيان عبر حسابها في "اكس": "ما صدر عن توم باراك اليوم مُستهجَن، ولا ينتقص من مكانة الصحافة اللبنانيّة، بل يكشف مدى انهيار صورة الديبلوماسية الغربيّة وانحطاطها في أبسط قواعد الاحترام والتخاطب الدبلوماسي!". واضافت يعقوبيان: "الصحافة في لبنان، رغم كلّ الصعوبات، تبقى ركيزة الحرية وصوت الناس. أمّا ذهنيّة الاستعلاء والتعاطي المتعجرف مع هذا البلد وصحافته، فهي سقوط مدوٍّ أخلاقياً ودبلوماسياً قبل أن تكون إساءة للصحافة اللبنانية".
وغرّد النائب عن "القوات اللبنانية"، غياث يزبك، في "إكس" قائلاً: "مهما علا شأن الشخصية السياسية او غير السياسية ومهما بلغ انزعاجها من الإعلاميين، فللجسم الصحافي ولممثلي وسائل الإعلام حصانتهم. وامام هذه الحصانة تتهاوى الأمزجة وتنهار الفوقيات. ما قاله توم برّاك للصحافيين، ومن قصر بعبدا، مرفوض ويتعين عليه الاعتذار. وعلى الصحافة، إن لم يحصل ذلك، ان تتوقف عن تغطية ما تبقى من نشاطه وكل نشاط مقبل له، فالبكاء من دون موقف يشجع المرتكب على المزيد".
وأصدر رئيس لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان اللبناني، النائب عن "حزب الله" إبراهيم الموسوي، بياناً استنكارياً، ومما جاء فيه: "لم نفاجأ أبدًا بمنطق السفاهة والاستعلاء الأميركي الذي عبّر عنه موفد الوصاية الأميركية توم باراك بحق الإعلاميين اللبنانيين في القصر الجمهوري في بعبدا والإهانة الفادحة التي وجهها إليهم، فهذا الموفد يجسد بأمانة مطلقة حقيقة الولايات المتحدة الأميركية وجوهر الفلسفة العدوانية المتوحشة التي تأسست عليها، وهي باختصار فلسفة الإبادة الجماعية وغياب أي منطق قيمي أخلاقي يمكن الاحتكام إليه أو التمثل به والامتثال له".