قلعة القليعات تستعيد التألق: شاهد تاريخي يساهم في إنماء عكار
خالد طه
الثلاثاء 21 تشرين الأول 2025
تقع قلعة القليعات في منطقة عكّار الشمالية، وتُعدّ من المعالم التاريخية البارزة في لبنان، إذ تعكس إرثاً عمرانياً يمتد عبر العصور انطلاقاً من النشأة العربية الاسلامية مروراً بالحملات الصليبية وصولاً إلى الحقبة المملوكية ثم العثمانية.
الاهتمام بالقلعة وإحياء التراث
بدأت بلدية القليعات أخيراً ببذل جهود لإعادة الحياة للقلعة، في مشروع لم يقتصر على صيانة المبنى بل امتد ليشمل إعادة الاعتبار للهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة. وتابعت "المدن" جهود تنظيف القلعة ومساحاتها الداخلية والخارجية من الركام والنفايات، وتأمين مسارات آمنة للزوار، وتركيب بوابات حماية، ووضع لوحات تعريفية بتاريخ الموقع، ولاحظت التعاون بين الفرق الفنية والبلدية، والجهد المبذول لإعادة الروح للقلعة.
ويؤكد عبد الرزاق خشفة، رئيس بلدية القليعات أن "البلدية تسعى من خلال مشروع إعادة تأهيل القلعة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي الذي تمثله القلعة فهي قلعة صليبية مهدمة ويعود بناؤها للقرن الثاني عشر الميلادي. لذلك نسعى لإبراز قيمتها المعمارية كمعلم تراثي يعود إلى حقبات تاريخية مهمة. كما ترغب البلدية بتحويل القلعة إلى نقطة جذب سياحي وثقافي تُسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية المحلية وخلق فرص عمل لأبناء المنطقة من خلال تطوير السياحة الريفية والتراثية وتنفيذ مشاريع حرفية وترفيهية وثقافية في القلعة".
وشرح أن "الخطوات المنجزة غير كافية، نظراً لاعتمادنا في هذه المرحلة على موارد البلدية، وهي محدودة للغاية. لذلك نحاول جاهدين استقطاب المساعدات والهبات من الجمعيات والافراد والمستثمرين المهتمين بإحياء هذه القلعة. ونعمل على التعاون مع مختصين في علم الآثار والهندسة المعمارية للحفاظ على الطابع الأثري الأصلي للقلعة، ونضع خطة إنارة تُبرز جمالها ليلاً وتشجع على الزيارات السياحية المنظمة".
تطمح البلدية إلى تطوير القلعة لتصبح وجهة سياحية مستدامة، لكنها في حاجة لدعم تقني ومالي من وزارة الثقافة والسياحة، وإدراج القلعة ضمن خريطة المواقع السياحية الوطنية. وتحتاج إلى تمويل مستدام لاستكمال مشاريع الصيانة الدورية، وتوفير برامج تدريب للشباب المحلي، إضافة إلى الدعم الإعلامي والترويج السياحي لضمان استمرارية المشروع وتحقيق عائدات اقتصادية وثقافية على المدى الطويل.
الأهمية التاريخية للقلعة
تُعد قلعة القليعات من أبرز المعالم التاريخية في شمال لبنان، وإرثها شاهد على الأحداث التي مرّت بها المنطقة عبر العصور. ويقول الخبير في الآثار والسياحة بكر الصديق، رئيس نادي آثار طرابلس: "قلعة القليعات هي واحدة من سلسلة حصون أمر بإنشائها معاوية بن ابي سفيان حين كان والي الشام والهدف منها تحصين المدن الساحلية التي كان ثغورا مثل طرطوس واللاذقية وطرابلس وصيدا وعكا. ثم توالت الحقبات واستولى الصليبيون على حصن القلعيات كما كل ساحل الشام وحرره المماليك وأعادوا بنائها. وكانت الإضافة العثمانية آخر العهود، ما يميزها عن غيرها تاريخياً أنها كانت أقرب حصن لمراقبة الساحل وحماية طرابلس، حيث كانت على مر العصور مركز ولاية شاسعة الأطراف. وهذه كانت وظيفتها زمن الصليبيين والمماليك على حد سواء".
مركز جذب سياحي
تحويل القلعة إلى موقع سياحي مستدام يستوجب ترميمها وفق المعايير العلمية وتأهيل محيطها والطريق المؤدية إليها، ذاك أن توظيف الإرث الثقافي للقلعة يسهم في تعزيز التنمية المحلية وتنشيط السياحة. وهذا يتطلب إقامة الفعاليات الثقافية والمعارض الحرفية والتراثية. ويشدد محمد حسن، ابن بلدة القليعات وسفير لبنان السابق في الجزائر، على أهمية تحويل قلعة القليعات إلى مركز جذب ثقافي وسياحي حي. ويقترح تنظيم مهرجانات دورية وبرامج تعليمية مدرسية، وتأهيل شباب القليعات كمرشدين سياحيين، وإدراج القلعة ضمن الخريطة السياحية الوطنية، وإشراك المجتمع المحلي في صناعة المحتوى الثقافي.
واعتبر أن القلعة تعبّر عن مقاومة النسيان والهوية والانتماء، وهي مرآة للروح القليعاتية العكارية الأصيلة والمنفتحة على التاريخ.
بدوره عبّر خضر عثمان، من سكان البلدة، عن أثر هذه الجهود الإيجابي على الأهالي. وقال: "إعادة ترتيب القلعة وتنظيفها وإعادة الحياة إليها من جديد، ترك أثراً إيجابياً على أهالي القرية. أما سهيلا حكوم، وهي من منطقة القليعات، فرحّبت بإعادة إحياء القلعة معتبرة كأنها عادت إلى مجدها القديم لتجمع بين الأصالة التاريخية والمظهر الجذاب. فهي رمز حي للتراث ومَعلم يجذب الزوار ويعكس اهتمام الناس بمحافظة عكار. كما أنها رمز للفخر والاعتزاز بالهوية المحلية ومكانا يجمع بين الثقافة والسياحة والتعليم، ما يساعد في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على المعالم التاريخية.
المصدر: المدن