أحداث ثقافية أخرى
لماذا بقيت أم كلثوم حيّة بعد 50 سنة من موتها؟
شادي معلوف
الإثنين 3 شباط 2025

يطوي اليوم رحيل "كوكب الشرق" أم كلثوم سنته الخمسين (3 شباط 1975). نصف قرن على رحيل "مطربة العرب" الباقي صوتها حاضراً في وجدان من بقي من جمهور عاصرها وانتظرها ليلة الخميس الأول من كلّ شهر، وفي آذان من عرفها من الأجيال الجديدة، سواء من خلال فنانين معاصرين يستعيدون أغنياتها أو من خلال مواقع التواصل التي قرّبت فناني "الزمن الجميل" من الأجيال الحديثة. فلماذا بقيت أم كلثوم حيّة بعد 50 سنة من موتها؟ ولو قُدّر لـ "أم كلثوم 2025" أن تكون بيننا اليوم، كيف كانت أفادت ممّا يقدّمه زمننا لفنّاني هذه الأيام؟
 
 
لم تكن أم كلثوم ابراهيم السيد البلتاجي، مجرّد مغنّية عرفتها مصر والعالم العربي منذ العقد الثاني في القرن الماضي، بل أضحت رمزاً لعصر تداخل فيه الغناء بالمجتمع والسياسة. فأضحت كبيرة مطربات العرب أيقونة ما زلت تشعّ على المشهد الغنائي، رغم اندثار معالم تلك الحقبة التي عرفت خلالها أم كلثوم شهرتها.
 
مع شعراء وملحّني عصرها عبّرت "كوكب الشرق"، وهو أحد أشهر ألقابها، عن أمّة بأفراحها وأحزانها، بانتصاراتها ونكساتها، بمشاعر أبنائها وعواطفهم. فدخل بعض أغنياتها في مدار دعم القضايا العربية، بخاصة القضية الفلسطينية، واستفاد زعماء سياسيّون في بلدها من حضورها الفني الآسر لتوجيه الرأي العام والتأثير فيه.
 
 
أغنيات ومراحل
 
صحيح أنّ مشوارها مع الأغنية المصريّة والعربيّة مرّ بمراحل عدّة، منذ انطلاقتها في الريف المصري وحتى حلولها في القاهرة، ومنها إلى العواصم العربيّة والغربيّة، حيث أحيت حفلاتها على امتداد عمرها الفني. لكن ما يبقى من ذلك المشوار الطويل، هو ما حفظه الزمن لنا من أغنيات لم يسقطها "غربال" الزمن، لجودة الكلام أو اللحن أو الأداء، أو للثلاثة معاً، أو ربطاً بالحدث أو المناسبة التي من أجلها أُعدّت تلك الأعمال.
 
وبذلك تكون أم كلثوم قد حقّقت ما يسعى من أجله كثيرون من أهل الفنّ: الانتصار على الزمن. وما إحياء مريدي هذه المطربة ذكراها وبلوغ فنّها زمننا، سوى تأكيد أنها واحدة من الفنانين الذين هزمت أعمالهم الموت والغياب، وبقيت تنتقل من جيل إلى جيل.
 
الانتصار على الزمن
 
لكنّ هذا "الانتصار على الزمن" لا يعني أنّ سببه جودة العمل الفني فحسب. فلبقاء الفنان حيّاً في ذاكرة من عرفوه وانتقال إرثه الفنيّ جيلاً بعد جيل، أسباب عدّة تضاف إلى نوعيّة الكلمة واللحن وحُسن الأداء وكيفيّة التعامل مع الأغنية والجمهور خلال الأداء المباشر في الحفلات.
 
من تلك الأسباب شخصيّة الفنان، ومواكبة أعماله الزمن الذي يقدّمها خلاله، وتعامله مع أهل الصحافة والقلم المواكبين لتلك الأعمال. والمتابع سيرة ومسار المطربة المصريّة الراحلة لن يصعب عليه ملاحظة توفّر كلّ ما تقدّم في مشوارها، مضافاً إليه لاحقاً تأثير التطوّرات التكنولوجيّة (يوتيوب – منصّات موسيقية – تقنية هولوغرام في الحفلات...) التي أعادت راحلين إلى الحياة وقرّبت أعمال غائبين إلى الأجيال المعاصرة.
 
ولعلّ الجمع بين الكلاسيكية والتجديد، هو أيضاً أحد أسباب بقاء أم كلثوم عصيّة على الزمن. وهنا يُحسب لها عدم مقاومتها التجديد الموسيقي الذي قدّمه لها بليغ حمدي وحتى محمد عبد الوهاب نفسه، في بعض ألحانه الشهيرة لها، كما التوزيع الموسيقي لبعض أغنياتها وإدخال بعض الآلات الكهربائية الحديثة زمنذاك على فرقتها.
 
 
تخيّلوا
 
خمسون عاماً إذاً مرّت بين رحيل أم كلثوم وزمننا الذي نعيشه اليوم... تخيّلوها بيننا في الـ 2025: كيف كانت ستتعامل مع "السوشل ميديا"؟ أي فيديوات كانت ستنشر عبر حسابها في "إنستغرام"؟ مع أي فنانة كانت ستكون مشاكلها على "إكس"؟ هل كانت ستعيد تسجيل أغنياتها القديمة بتوزيع موسيقي جديد؟ من كانت ستختار لتشاركها أو يشاركها الغناء؟ مع أي ديكورات ومؤثرات مرئيّة كنا سنشاهدها وهي تقدّم أغنياتها على المسرح؟ أسئلة افتراضية يمكن لأي منّا أن تكون له عنها إجابات افتراضيّة ترسم في مخيّلته صورة "أم كلثوم 2025"!
 
أم كلثوم ولبنان
 
تجاوزت أم كلثوم باكراً "القُطر المصري" نحو "بلاد الشام". ومع الوقت توطّدت علاقة الفنانة المصرية بلبنان وناسه، وعقدت صلات اجتماعية وصحافية وفنّية.
 
أما حفلاتها الغنائية فكانت عديدة في "بلاد الأرز"، بدءاً بأواخر عشرينات القرن العشرين وحتى العام 1970. أبرز تلك الأمسيات توزّعت بين بيروت وعاليه وقلعة بعلبك. ويمكن اعتبار أغنية "هذه ليلتي"، التي غنّتها "كوكب الشرق" للمرة الأولى عام 1968 من نظم الشاعر اللبناني جورج جرداق وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، بمثابة تتويج لهذه العلاقة الكلثوميّة – اللبنانية.