أحداث ثقافية أخرى
مهرجان الفيلم الأوروبي يذكّر بأولى التجارب السينمائية في ليبيا
العرب اللندنية
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

عاشت العاصمة الليبية طرابلس منذ السبت 23 نوفمبر الجاري وعلى امتداد خمسة أيام على وقع فعاليات النسخة الأولى من مهرجان الفيلم الأوروبي التي خصصت أيامها لعرض أفلام أوروبية.
 
ورغم تخصص المهرجان في السينما الأوروبية بهدف تعزيز التقارب بين ليبيا ودول الاتحاد الأوروبي إلا أن منظمي المهرجان وظفوا هذه المناسبة في التذكير بأولى تجارب السينما الروائية في ليبيا عبر عرض فيلم “الشظية” الذي أوقد شرارة انطلاق الدورة الأولى للمهرجان.
 
“الشظية” أنتج بين العامين 1985 و1986 لكنه لم يعرض رسميا إلا في العام 1986. أخرجه الراجل محمد علي الفرجاني وألف السيناريو الخاص به عبدالسلام المدني عن نص من تأليف الأديب الليبي الشهير إبراهيم الكوني.
 
يحكي الفيلم قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية وراح ضحيتها العديد من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد، من خلال قصة سالم (علي العريبي)؛ حطاب يلتقي بهلول (الطاهر القبائلي) وهو قاطع طريق في الصحراء. ورغم أن سالم ينقذ بهلول الذي كان على وشك الموت من شدة العطش، يستولي بهلول على ناقة سالم بقوة السلاح، ثم يتراجع ويعيدها إليه.
 
يذهب سالم وبهلول معا ويصلان إلى منطقة ألغام. يحكي كل واحد منهما قصته للآخر. فسالم فقد زوجته سالمة (كاريمان جبر) في حقل ألغام، في حين صار بهلول مطاردا بعد أن قتل زوج ابنة عمه ريم (نجاح عبدالعزيز) التي كان يريد الزواج منها.
 
أخذ هذا الفيلم أهمية كبرى في السينما الليبية حيث يعتبر أحد أهم الأعمال الروائية التي أسست للسينما الليبية، بالإضافة إلى أنه المحاولة الأولى لنقل الأدب الليبي إلى الشاشة ويعكس بوضوح حجم المآسي الناجمة عن انفجار الألغام الأرضية موقعة ًبضحاياها من البشر والحيوانات حتى بعد وقف الحرب. كما عرض في العديد من المهرجانات واقتنص جوائز عربية.
 
وصانع هذا الفيلم محمد علي الفرجاني (1929 – 1995) درس السينما في مصر أين نال درجة الماجستير قبل أن يعود إلى ليبيا في ستينات القرن الماضي حيث عمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بقسم الإعلام و تحديدا في الجريدة المصورة. حاول أن يقوم بأولى محاولاته في الفيلم الروائي في سنة 1967 بعد إنجاز بعض الأفلام التسجيلية إلا أن محاولته لتقديم فيلم روائي لم تنجح إلا عام 1986 في تقديم فيلم “الشظية”.
 
المهرجان الذي تنظمه كل من هيئة السينما والمسرح والفنون الليبية بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، شاركت فيه أفلام من اختيار السفارات الأوروبية في العاصمة طرابلس. ويهدف إلى تعزيز الشراكة الثقافية بين ليبيا وبلدان الاتحاد الأوروبي.
 
وأقيم حفل الافتتاح بحضور عدد من البعثات الدبلوماسية المشاركة والمنظمات الدولية ومسؤولين من حكومة الوحدة الوطنية في مقر الهيئة.
 
وشاركت كل من سفارة إيطاليا بفيلم “عودة فتاة”، وسفارة مالطا بفيلم “راعي البقر من الحجر الجيري”، وسفارة إسبانيا بفيلم “قصر الحمراء على المحك”، وسفارة ألمانيا بفيلم “كليو”، بينما شاركت سفارة فرنسا بفيلم “عاصفة”.
 
واعتبر رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون عبدالباسط بوقندة مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان “خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة.”
 
وقال بوقندة في كلمة الافتتاح إن المناسبة “تفتح آفاقا واسعة في مجالات السينما كأحد أهم أنواع التواصل بين الشعوب والمرآة العاكسة للكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم نحو الارتقاء والإحساس بالمسؤولية.”
 
وذكر بوقندة، وهو ممثل شارك في العديد من الأعمال الفنية الشهيرة، أن ليبيا مستعدة للمشاركات الخارجية في شتى أنواع الفنون وأن “الهيئة على استعداد لإقامة أسبوع فني ثقافي في أي دولة.”
 
وتوقفت المسارح الليبية عن العروض وتأثر إنتاج الأعمال الفنية سلبا إبان الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمعمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي في 2011، وتأثر مرة أخرى في عام 2014 خلال الاقتتال بين الفصائل الليبية وانقسام البلاد سياسيا بين إدارتين في الشرق والغرب.
 
من جانبه اعتبر رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا السفير نيكولا أورلاندو أن المهرجان “فرصة للاحتفاء وتعزيز التراث الثقافي الغني لدولة ليبيا.”
 
وتمنى في كلمته أن يرى الكثير من صناع المحتوى والمخرجين الليبيين ليحكوا قصصهم في أفلام “السينما موجودة لتعرض تلك الاختلافات والتشابهات بيننا وتساعدنا في معرفة العالم وتجارب وخبرات الآخرين.”
 
ويعود تاريخ السينما في ليبيا إلى حقبة الاحتلال الإيطالي للبلاد في عشرينات القرن الماضي، أما أول دار عرض للفن السابع فهي سينما “توغراف باب البحر” بطرابلس والتي اتخذت من قوس ماركوس أوريليوس مدخلا لها، وكان ذلك عام 1908 قبل الغزو الإيطالي، أي بعد 13 عاما من تاريخ اختراع السينما عام 1895.
 
وبالرغم ذلك يشهد الإنتاج السينمائي الليبي منذ عقود طويلة ركودا نتيجة عدة عوامل، لعل من بينها أن الفنون والآداب كانت آخر سلم اهتمامات الدولة.