صدر عن مؤسسة الدراسات العلمية العام 1971، وضمن سلسلة التاريخ كتاب " أعرق الحضارات" لـ جورج كوسى.
حدث جلل في تاريخ الحوليات الأثرية، اكتشاف رأس شمرا – أوغاريت.
بحر من النور تدفقت أضواؤه على التاريخ السوري القديم وقد شوه معالمه مؤرخو الأمم. والمؤسف حقاً أن مؤرخي سورية نفسها قد جرفهم تيار التشويه فاندفعوا مع انحداره، بوعي أو بغير وعي منهم، إلا قلة ينتمي أكثرها إلى بقايا من حملوا التراث السوري الأصيل وجسدوا رفض استعمار سورية، كل استعمار العصور الوسطى والحديثة، أكان بيزنطياً أو عربياً أو تركياً أو غربياً.
وقد تجسد هذا الرفض في كيان هو معقل للفكر السوري الكنعاني الحر ينطلق منه كينبوع أصيل، رغم الأفكار الانفلاشية باسم العروبة والدين، والانعزالية باسم الكيانات الطائفية والاقليمية.
لقد بدأ تشويه هذا التاريخ بما نسب الى كتاب حاقدين من اليهود في بابل خلال السبي الشهير واطلعوا على التراث السوري وعلى أروع نتاج فكري قديم فيه علما وفنا وصناعة، فنقلوه وانتحلوه محرفا أو ناقصا.
ولم ينج الفكر المسيحي نفسه من تحريف اليهود. فلولا بولس خريج مدرسة انطاكية السورية لغرقت المسيحية في حقد اليهود وتحجرهم الناموسي، وقضي على رسالة المسيح في أول طريقها.
لقد تبدلت معلوماتنا، عن الشرق القديم بعد اكتشافات أوغاريت. ولا عجب، فما تزال هذه الاكتشافات تشغل الأوساط العلمية في العالم أجمع، ويكفي أنها سببت التفكير في إعادة ترجمة التوراة وتفسيرها على ضوء وثائق رأس شمرا أو بموجب لغتها. كما أن اللغة الأوغاريتية أصبحت موضوع دراسة في أعظم جامعات أوروبا وأمريكا.
فاستبدت بي رغبة الحقائق ومحبة الحق والخير والجمال ودفعتاني الى وضع كتاب لايستطيع الوسط المعين إلا أن ينحني أمامه موافقا، ويقبل عليه جميع الناس وخاصة جيل الشباب من الطلاب فيفهم مضامينه بسهولة ويصبح إذ ذاك قادرا على تصحيح المعلومات المغلوطة التي تقدمها كتب التاريخ المدرسية والمؤرخون المغرضون. وقد تم وضع الكتاب فيم طابع المنفعة الآنية والكبت والدكتاتورية الجاهلة.
والى جانب ذلك أبغي فتح آفاق لمؤلفين أقدر مني وأكثر وسائل للبحث والتنقيب في مواضيع عميقة المعنى بعيدة الدلالة كالقانون والدين والأدب والعمران. وأختم هنا بالقول الخالد: "إن لذة العطاء أفضل من لذة الأخذ" وحسبي أنني أعطيت ولم آخذ.