الدكتور ناصيف نصار يقول الموقف من الأمركة شيء والموقف من الحرية شيء آخر وقول أيضا أن هذا الكتاب يغامر في الذهاب الى القارئ الذي يبحث عن تحليلات وحلول عملية ان لم نقل تحليلات وحلول عينية ولكني يقول الدكتور نصار أعتقد ان المغامرة لها ما يبررها ان في النهاية تصيب الهدف ، كما ان هذا الكتاب دعوة الى ورشة مفتوحة يشارك فيها جميع أهل الرأي وأصحاب الخبرة الذين يهمهم هذا الحفل يقدم الكاتب والكتاب الأستاذ سركيس أبو زيد.
- بداية أشكر الأستاذ منصور عازار الذي أتاح لنا هذا اللقاء وهو الرجل الذي يجمع حكمة وكرم الشيوخ مع تجدد وحيوية الشباب أدامه في مسيرة النهضة والصراع والعطاء، كما أشكر مكتب الدراسات العلمية الذي أتاح لي فرصة تقديم الدكتور ناصيف نصار في كتابه الأخير "باب الحرية" خاصة واني أكنّ للدكتور ناصيف المودة والتقدير ومنذ شبابي تتلمذت على كتاباته التي تعلمنا التفكير وتحرضنا على التساؤل، باختصار شديد تقسم كتابات الدكتور نصار الى نوعين الأول نقد المفاهيم والأفكار السائدة لأبراز الأصيل منها وتجاوز ما هو تقليدي، أمّا النوع الثاني فهو محاولة جريئة وشجاعة تستهدف بناء عمارة فلسفية مستقلة جديدة يمكن تلمسها في مختلف كتاباته وقد توقف عندها بشكل بارز في كتابه" منطق السلطة" وكتابه الأخير"باب الحرية". كتابات الدكتور ناصيف نصار مبدعة وجديدة ومتميزة، وأهم خاصية لها هي الوضوح في التعبير والتسلسل المنطقي، فعندما تكون الفكرة واضحة يصبح الأسلوب أوضحا والكلمات تنساب بسلاسة، بلاغة ناصيف نصار تتجلى بأن الفيلسوف والمواطن العادي يقرأه ويفهم مقاصده، بينما بعض الكتاب بحاجة الى من يترجم أفكارهم لنفهم ماذا يريدون. كتابه "باب الحرية " الذي صدر مؤخرا هو دعوة الى التفكير في اعادة بناء حقل الحرية بعد أن غُيبت عن مختلف ميادين الحياة، بينما هي على حدّ تعبير الدكتور ناصيف صفة جوهرية للانسان في علاقته مع ذاته ومع الآخر ومع الطبيعة ومع المطلق ، يميز الدكتور نصار الحرية عن الأمركة ويعتبرها الأصل من أجل استئناف مشروع النهضة العربية التي انطلقت في القرن التاسع عشر وتعثرت مما يستوجب نهضة عربية ثانية عمادها الحرية، وبواسطتها يدخل العرب حضارة الحرية التي هي نتاج عطاءات المجتمعات المتفاعلة. ان النهضة العربية الثانية ترتكز على رؤية فلسفية للانسان وتعمل على تجاوز الأزمة الحضارية الشاملة التي تعيشها الشعوب العربية الحالية باتجاه، أولا اعادة البناء فيما طرحته النهضة الأولى، ثانيا وضع تصور لعملية التغير في الأنظمة والمؤسسات والتقاليد وثالثا ابداع نهضة حضارية حقيقية تطلق قوى الحرية والعقل والخيال وهي تستلزم المبادرة والتخيل والمغامرة ، وكم نحن اليوم كأفراد ومؤسسات دينية وحزبية ومدنية ، كم نحن بحاجة الى هذه الجرأة وهذه الجذرية.يعتبر الدكتور نصار بأن النهضة العربية الثانية هي تجاوز لثنائية التراث والمعاصرة ويدعو الى التعامل الخلاّق مع العولمة التي تفرض تحدّي الحرية وتضع الشعوب العربية أمام مفترق امّا طريق الحرية والابداع والنهوض وامّا طريق التبعية والقمع والتخلف، لذلك يدعو الدكتور نصار الى انشاء ليبرالية عربية وبعد أن استعرض دلالات المصطلح يقول أنه حاول تجنب اللفظة لارتباطها بمذهب معروف وانتهز هذه المناسبة لاقترح على الدكتور نصار اعتماد تعبير "نظام حريوي" بديلا عن تعبير"نظام ليبرالي" لما ينطوي عليه من التباسات. الليبرالية العربية التي يدعو الدكتور نصار الشعوب العربية الى اعادة بنائها هي لمصلحة النهضة العربية الثانية ولمصلحة الحضارة المعولمة التي أصبحت بحاجة الى أنسنة واعادة بناء الليبرالية فلسفيا يقوم على المبادئ الأربعة التالية كما يقول الدكتور نصار، مبدأ اجتماعية الانسان الطبيعية والجدلية ، مبدأ الترابط بين الحرية والعقل، مبدأ الترابط بين الحرية والعدل، مبدأ الترابط بين الحرية والسلطة، وبعد أن يتعرض هذه المبادئ وابعادها يقترح الدكتور نصار تسمية الليبرالية التكافلية على الليبرالية العربية المُعاد بناؤها ، ثمّ ينتقل الدكتور نصار الى نقد الليبرالية الفردانية والأخطار التي تهدد الحرية أحيانا من خلال الخوف على الحرية وأحيانا أخرى الخوف من الحرية. لقد سبق وتراجعت الليبرالية العربية بحجة الوحدة العربية أولاً وحجة الثورة على الاستغلال والقهر ثانياً وحجة رفض الأمركة ثالثاً ورابعاً حجج الروابط الاجتماعية التقليدية . ينتقد الدكتور نصار الوحدانية العقائدية الدغماتية في المجتمع كما ينقد الفوضى والبلبلة التي يمكن أن يسفر عنها التطبيق المتطرف للفردانية ويخلص الى تبني العقلانية النقدية المنفتحة بارزاً الجدلية بين المثلث الذي تؤلفه الرغبة مع الفكر والحرية ، الحرية المفكرة والحرية الراغبة تعني تحرير الحرية من طغيان الرغبة وتدمير الرغبة بحكمة العقل المنفتح ومسؤولية الارادة الحرة على حدّ تعبيره، ومع تصديه للرغبة يعالج الدكتور نصار تدبير المصلحة معتبراً أن المفكرين العرب لم يبذلوا مجهوداً يستحق الذكر لبناء مفهوم المصلحة دون أن يشير الى الجهد الكبير الذي قدمه أنطون سعادة في هذا المجال خاصة في كتابه "نشؤ الأمم" وقد لفتني في هذا الكتاب بأن الدكتور ناصيف نصار على غير عادته غيّب أنطون سعادة ونظرته للحرية التي اعتبرها في رأس القيم مع العلم بأنه في كتاباته السابقة ألقى أضواءً أساسية على فكر أنطون سعادة وبكل صراحة تعمقت في فهم فكر أنطون سعادة كلما قرأت ناصيف نصار الذي له الفضل الأول في ادخال فكر سعادة في نسيج الثقافة العربية من خلال ما شرحه وكتبه الى درجة اني سمعت مرة من الشاعر الكبير أدونيس يقول ناصيف نصار كي يكتب دراسة عن سعادة يؤلف كتاباً كي تكون هذه الدراسة فصلاً منه. وبهد أن يستفيض في شرح المصلحة ومستوياتها وفعلها ودور الدولة و المجتمع الوطني في تحديدها وتحقيقها بواسطة القرار الحر يعتبر الدكتور نصار ان الحرية ليست غاية الانسان لأنها في صميم كيانه لكن الانسان يتطلع الى ممارسة الحرية ويرغب رغبة عميقة ومستمرة في العيش بحرية والعيش في الحرية وعيش الحرية والاستمتاع بشعور الحرية لكي يتسنى له أن يختار بنفسه غايات حياته ونمط حياته لأن الحرية لاتكتفي اطلاقاً بذاتها كما يقول الدكتور ناصيف . هذا الكلام الجميل يستدعي طرح أسئلة استناداً الى نهج الدكتور نصار هل يمكن العيش بحرية في ظلّ الفقر والمرض والفساد ؟ هل يمكن عيش الحرية في ظلّ مؤسسات دينية وحزبية تقليدية أصولية متخلفة تمنع التفكير وتشجع التكفير؟ يفرض الدكتور نصار فصلاً لنقد ثقافة الليبرالية كما تخيلها الفيلسوف الأميركي المعاصر" ريتشارد روتي" كما يخصص فصلاً آخر لرفض الليبرالية المتوحشة وطرح مبدأ التضامن على قاعدة الهوية معتبراً أن الفرد يجد نفسه جزءاً من نحن كما أن الواقع يندرج في اطار متحدات متدرجة من المستوى المحلي الى المستوى الوطني القومي ويعتبر الدكتور نصار أن ما يجري في أوروبا هو اعادة بناء المتحدات القومية في متحد اقليمي من نوع جديد وهو أيضا اعادة بناء المتحدات ما دون القومية من أجل الحفاظ على انتماءات وهويات صغرى توازن الانتماء للمتحد الاقليمي الكبير على حد قول الدكتور نصار ثم يخلص الى اعتبارالتضامن في حده الأعلى هو الدولة الوطنية القومية كما يؤكد على الطابع الكوني للتضامن . يعتبر الدكتور نصار أن الحرية شرط أصلي للفعل كما أن الحرية مسؤولية تستلزم التضامن و بالتالي الكائن الحر لايفقد حريته عندما يقوم بالواجب ويعالج الدكتور نصار مفارقات تتعلق بحياة الحرية على العموم متجاوزاً مجالات تطبيق مبدأ الحرية التي ليست موضوع كتابه، هذه المفارقات على حد تعبيره هي:
أولاً فقدان الحرية باطلاقها والمقصود هو الحرية الاجتماعية لأن الحرية الكيانية لايمكن فقدانها والحرية الاجتماعية بالضرورة غير مطلقة، لاحرية كما يقول من دون قانون لذلك الحرية تستدعي سلطة القانون والاعتبارات الاخلاقية .
ثانياً: منع الحرية عن اعدائها مما يستوجب تنظيم ممارسة الحرية من أجل حمايتها واحترام حرية الفكر والتعبير.
ثالثاً:الاكراه على الحرية يستوجب تحقيق الحرية يمر عبر مسالك لاتخلو من الاكراه والصراع
.
الخطر على الحرية ليس من أعدائها فقط كما يقول بل أحياناً كثيرة من ذاتها أي من أمراضها ومن هذه الأمراض الاستكفاء الذاتي على حد تعبيره ، أي الحرية ليست غاية لذاتها بل لها حدود من خلال علاقة الحرية بالعقل والسلطة والعدل وبالتالي هي اختيار والتزام ، وبالتالي الواقع يدل على أن جوهر العلاقات الاجتماعية هو التنازع والتنازع يخضع للقوة بحجة أن العدل نسبي وبالتالي يخضع لقانون الارادة والقوة ونتائج الصراع بين الارادات الحرة والقوة القاهرة وبالتالي الحق لايتحدث عما هو واقع بل هو مسموح له بأن يقع والعدل ليس منظومة حقوق فقط انه منظومة حقوق وواجبات والواجب يتولد أولاً من محدودية الحق والحق والقوة وهكذا تقترن الحرية بالقوة ، فئة تمارس الحرية المتجبرة القاهرة وفئة تمارس الحرية المقهورة وفئة تمارس الحرية المترددة الحائرة على حد تعبيره ويخلص الدكتور نصار الى تأكيد أولية الحرية في الوجود الانساني لكن هذه الأسبقية لا تعني اطلاقا الاستكفاء الذاتي بالحرية واعتبار هذا الوجود يُبنى بالحرية وحدها لذلك لا بدّ لابداع الوجود الانساني بالحرية من بناء علاقات سليمة بين الحرية والرغبة والعقل والعدل والسلطة . ثمّ يتصدى الدكتور نصار لمقولة "فوكوياما" رافضاً نظريته من أن الليبرالية هي نهاية التاريخ ، فيقول اذا كانت الليبرالية نهاية فانها نهاية لأشكال معينة من الصراع التاريخي من أجل الحرية وليست نهاية تاريخ الحرية باطلاق ولانهاية للتاريخ البشري بأسره ويعتمد الدكتور نصار على مقولة الصراع ليؤكد بأن الصراع حول الحرية يستمر داخل الليبرالية نفسها لأن صراع الانسان من أجل الحقيقة ومن أجل المعنى وهو صراع لايقل أصالة وضراوة عن صراعه من أجل الحرية لاينتهي اطلاقاً بانتصار الليبرالية بل ينتقل الى مرحلة ليس لها نهاية ويتقاطع الصراع من أجل الحقيقة ومن أجل المعنى مع الصراع من أجل السيطرة على الطبيعة وعلى مصادر الثروة والطاقة . ان الصراع الذي يحرك التاريخ كما يقول الدكتور ناصيف نصار يتخذ مع الليبرالية أشكالاً جديدة وأبعاداً جديدة ومع تأكيده على مقولة الصراع يؤكد الدكتور نصار ما سبق وقاله سعادة الحرية صراع، صراع العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل ولا معنى للحرية وراء ذلك، الحق والحرية هما قيمتان أساسيتان من قيم الانسان المجتمع كما يقول سعادة.ملاحظة أخيرة من وحي الكتاب ان ممارسة الحرية أو العيش في الحرية كما يحلو للدكتور ناصيف نصار أن يصفها يستوجب برأي قيام نظام حريوي متكامل على عدة مستويات، على المستوى الاقتصادي يستلزم قيام نظام حريوي تعاوني يحقق التنمية والبحبوحة والعدالة بديلاً عن نظام الرأسمالية المتوحشة ، على المستوى السياسي يستلزم قيان نظام حريوي ديمقراطي يحقق المواطنة والمساواة ويعبر عن مصالح وتطلعات الناس وفق برنامج وخطط ورؤى انسانية بديلا عن النظم الديكتاتورية والشخصانية ، اما على المستوى الاجتماعي يستلزم قيام نظام حريوي يحترم حقوق الانسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق سيادتها على أرضها ومواردها وبناء انسان جديد واعى يمارس المسؤولية بنفسه بالرجوع الى قيم عليا يهتدي بنورها ويعمل بمقتضاها وهذا النظام الحريوي على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي يستوجب قيام ثورة نهضوية تغير المؤسسات التقليدية الدينية منها والحزبية والعائلية وغيرها من أجل بناء مؤسسات صالحة لتوفير شروط العيش بحرية وكرامة فلا حرية مع الاستبداد والاحتلال والاستغلال. ومن الأسئلة التي يحرض الكتاب على طرحها الى أيّ مدى الانسان هو حر داخل المؤسسة التي ينتمي اليها ، الىأيّ مدى الدكتور ناصيف نصار حر داخل الجامعة اللبنانية والى أيّ مدى القومي حر داخل حزبه والى أيّ مدى الكاهن حر داخل كنيسته ، فأين نحن اليوم من قيم الحرية والحق والكرامة ، أين نحن اليوم من مسيرة الصراع من أجل الحرية والتحرر ، أسئلة يحرض عليها كتاب الدكتور ناصيف نصار، وتفتش عن أحرار ليناضلوا من أجلها لأننا اذا لم نكن أحرارا من أمة حرة فحريات الأمم عار علينا.
فتح باب الحوار:
س:المقدم كان واضحاً، ولكن لم يمر بالتقديم ان النظام الليبرالي الذي يشدد عليه المؤلف حرية الفرد ومشكلة حرية الفرد بموضوع الليبرالية وأعتقد انه جديد بالنسبة للفكر في الشرق وكل ما طُرح في التيارات الفكرية لم تتبلور فكرة حرية الفرد، أود أن يعلق المؤلف على مسألة حرية الفرد وأن يفصل فكرة الحرية ومبدأ الحرية ومذهب الحرية وثقافة الحرية وحضارة الحرية ، أن يفصل المؤلف الترابط بين المبدأ والفكرة والمذهب الثقافة والحضارة مع التركيز على حرية الفرد في النظام الليبرالي.
سركيس أبو زيد:أرغب بتوضيح ان ما قدمته كان تلخيصا لوضع الموضوع في اطار معين ، والتلخيص لا يوفي الكتاب حقه، كون الكتاب غني جدا وطرح الموضوع من عدة جوانب وأدعو الجميع لقاءة الكتاب.ويرجى من الحاضرين طرح الأسئلة .
س: هناك بعض التساؤلات، يوجد اشكالية حول علاقة موضوع الفلسفة بباقي المواضيع أي باقي العلوم ،الحرية حسب شرح الدكتور نصار و كأنها قائمة على افتراضات معينة بكثير من العلوم الأخرى لاسيما وان الكتاب لا يشير الى كثير من القضايا العلمية الا بعض الاشارات مثلا ذكره الحقيقة الفيزيائية وكأن لدى الدكتور نصار نظرة واحدة حول العلوم رغم وجود نظريات عديدة، يعني مجرد كلمة الحقيقة الفيزيائية ،بما أن كل شيئ متحرك لا يمكننا القول" الحقيقة"هناك حقائق. النقطة الثانية فيما يتعلق بالسياسة ، شرط الدخول الى العولمة يقول الدكتور نصار هي الحرية ، هذه أيضا تفترض نظرية معينة في السياسة ، في حال افترضنا أن العولمة هي مجرد حرية أو ديمقراطية ، اذا افترضنا في السياسة ان العولمة هي مجرد سيطرة متذايدة لشركات متعددة الجنسيات على كافة الحقول الاقتصاد أو السياسة أو غيره فأين يصبح دور الحرية ؟
س: اقترح المقدم كبديل عن تعبير الليبرالية على الدكتور ناصيف تمنى عليه ان يستعمل تعبير الحريوي السؤال هل يؤدي تعبير الحريوي الغرض الذي يؤديه تعبير الليبرالية ؟
س: ملاحظة على ملاحظتك بخصوص الوضوح عند الدكتور ناصيف نصار أنا معك من حيث المبدأ ان كتاباته لاسيما التي تتمحور حول الفلسفة هي واضحة نسبيا ولكن هذا الكتاب كان أقل وضوحا من الكتب الأخرى، قرأت قسما منه وخرجت بهذا الرأي خصوصا وأن بعض المصطلحات وبعض الترجمات لكلمات معينة علينا العودة الى الأصل من أجل فهمها؟
سركيس أبو زيد: أنا قدمت تقيمي الشخصي واعتبر ان لديه اسلوبا واضحا بشكل نادر ما تجد مثله لدى مفكرين أو كتاب يكتبون كتابات فلسفية عميقة بهذا الشكل وعلى هذا المستوى.
ناصيف نصار:
أشكر حضوركم لاسيما وان هذه الندوة كما فهمت هي حوار مباشر ومفتوح مبني على قراءة سابقة ، أنا لم آت لأعرض كتابي وأدافع عن وجهة نظري دون أن آخذ بالاعتبار الآراء والأسئلة التي يمكن أن تنشأ من بعد قراءة الكتاب وتفنيد أفكاره واطروحاته، لذلك سأدخل على الأسئلة التي طرحت مباشرة، وأود قبل ذلك أن أشير الى أمر ما ربما فات المقدم أن يذكرها في تقديمه وهي أن موضوع الحرية موضوع قديم ، صحيح أني خصصت له هذا الكتب وهوتقريبا يعطي في نهايته الفكرة الكاملة حتى الآن عن رأي في الحرية ، ولكن هذا الموضوع مطروح في كتابات سابقة ومهدت له في أكثر من مقالة وأكثر من كتاب ولذلك أحب أن ألفت الانتباه الى ما يسعى بعض الناس أو بعض النقاد أو القراء عن حسن نية أو عن سوء نية لربط هذا الكتاب بالظروف المحلية والاقليمية التي تحيط بنا والتي تشير بشكل خاص الى مشروع الأمركة ومشروع الشرق الأوسط والى آخره، فهذه العلاقة بين الكتاب والظروف الاقليمية هي علاقة عارضة فقط. موضوع الحرية موضوع أساسي في تفكيري منذ زمن والذي يعرف كتاباتي يلاحظ أنه حتى في اطروحتي عن ابن خلدون والتي مرّ عليها أكثر من ثلاثين سنة ، ووجدت من المناسب في تطوري الفكري والحاجة الفلسفية أن أخصص هذا الكتاب لهذا الموضوع، وذلك بعد أن فرغت من أبحاث أخرى متعددة كثيرة يعرفها الذين تابعوا أبحاثي منذ ثلاثين سنة، هذا فقط لتوضيح مسألة سمعت حولها بعض الآراء والمواقف. طبعا القارئ الذي يعرفني لا يقف اطلاقا عند هذه الملاحظة لأني لم أكتب لا من وحي أميركا ولا من وحي الشرق الأوسط الصغير ولا الكبير ولا كل هذه الظروف. مشروعي قديم وأفكاري تتطور تنمو بحسب منطق داخلي والظروف طبعا تساعدني وتدفعني وتحملني على تفضيل موضوع على آخر وتقديم فكرة على أخرى وهذا طبيعي جدا في حياة مفكر فيلسوف يحاول أن يكون شاهداً وملتزماً بقضايا عصره وأن لايكتفي بدراسة الأفكار والمبادئ الفلسفسية في ذاتها ولذاتها. أعتقد أن هذا كافٍ لأبدد كل الأسئلة المتعلقة بموضوع العلاقة بالأمركة وفي الوقت ذاته يصح كمدخل للسؤال الذي طرح ولايزال مطروحا وكثيرون يتوقفون عنده وهو موضوع العولمة، الليبرالية والعولمة.العولمة يمكنني القول أنه بشكلها الحالي هي الظرف الدولي الذي يصادف أنني أكتب في اطاره، لكن العولمة ليست جديدة، لها جذور قديمة ولقد أشرت في كتابي الى هذا الموضوع، وبما أن موضوعي ليس العولمة اكتفيت بهذه الاشارة، للعولمة جذور وأطوار، ولم تأت هكذا سنة 1991 وما بعد، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، هي أقدم من ذلك بكثير ولكن طبعا في هذه المرحلة أولا نشأ المصطلح ، قبل هذه المرحلة لم يكن هناك مصطلح العولمة.... ربما لعنف الظاهرة لقوتها لعدم وجود موانع تحد من سطوتها على مستوى البشرية كلها، وأنا لاأكتب من أجل العولمة ولا دفاعا عنها ولا تحت تأثير العولمة بالمعني الوظائفي للكلمة،لا، العولمة ظاهرة قائمة وأنا ألاحظ أن هذه الظاهرة القائمة اليوم قوامها الى حد كبير الحرية ، فهي تأتينا من أين من مراكز القرار، مراكز الانتاج ، مراكز السياسة والسيطرة في العالم التي هي مراكز غربية، وفي الغرب المسيطر حاليا هو الفكر الليبرالي على درجات متفاوتة بين الدول الغربية وهذا معروف. لسنا نواجه في هذه المنطقة من العالم مشكلة الحريات للمرة الأولى لقد واجهنا هذه المشكلة منذ بداية النهضة في القرن التاسع عشر وموضوع الحرية مطروح وبعد القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين موضوع الحرية مطروح والايديولوجيات والكتابات والأبحاث التي تناولت موضوع الحرية كثيرة ، اذا ما نحن عليه اليوم هو أننا نواجه موضوع الحرية في ظروف جديدة اقليمية ودولية واذا ما استأنفنا التفكير بالحرية بعد أن طمسته مرحلة الثورة أو ما سمي كذلك وكلمة طمسته ربما هي خفيفة بعض الشيئ، تلطف الموضوع هي أكثر من ذلك ،منذ الخمسينات أي بلد عربي كان ما يزال يرفع شعار الحرّيات ؟ لم يعد هناك بلد عربي رافع شعار الحريات، بقي لبنان وحده كبلد تُمارس فيه الحرية بما كانت عليه منذ العشرينات وبما توّفّر للمجتمع اللّبناني من مؤسّسات تصون الى حدٍّ ما هذه الحرّيات.لكن علينا اليوم أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع العالمي الذي أعتقد أنّه ليس لدينا خيارٌ في طريقة مواجهته،فنحن غير مسموح لنا، غير مُعطى لنا أن ندخل به أو لا ندخل به.نحن فيه ،أي أنّنا في العولمة ، فالعولمة لا تنتظرنا لتقول لنا أن ندخل أو لا ندخل . الموضوع هو كيف نتحرّك في اطار العولمة؟ ما هو الموقع الّذي نستطيع أن ندافع عنه، أن نطلبه لأنفسنا ،أن نحتلّه لأنفسنا،في اطار العولمة؟هذا المعطى لنا،لا نستطيع في رأيي أن نصل الى أيّ نتيجة الّا اذا اعتمدنا مبدأ الحرية،فالعولمة تطرح علينا هذا التّحدّي ،ومن المفترض أن نكون مستعدين كي نلبّي هذا التّحدّي ،مستعدّين لأنّ هذا الموضوع مطروح علينا منذ زمن ،لأنه موضوع حيوي بالنّسبة لنا ،وهو موضوع انساني بامتياز .اذا كنّا نريد أن نجدّد حياتنا الاجتماعيّة والفرديّة على أساس فلسفيٍّ ،ففلسفة الحرية هي في رأيي المدخل الرئيسي، هناك من يقول لي أنت كتبت منطق السلطة،ما العلاقة بين منطق السلطة وباب الحرية - موضوع الحرّيّة- ؟ شرحت هذا الموضوع في كتابي وقلت أنّني أدافع في هذا الكتاب عن أوّليّة الحرية لكن مفهومي لأولية الحرية في الوجود الانساني لا يستبعد على الاطلاق بل على العكس، يقتضي أن نفكّر في الوقت نفسه في موضوع السّلطة .قدمت معالجتي لموضوع السلطة على موضوع الحرية،وقد كان هذا الأمر تابعا ً لبرنامج أبحاثي وما تيسر لي من وسائل عمل لا أكثر ولا أقل .لكن الموضوعين ومواضيع اخرى مُدرجة عاى جدول أعمالي وعلى جدول أعمال الرفاق والتلامذت والذين يريدون أن يدخلوا هذه الورشة ،مؤونة برنامج عمل مطروح و يستغرق جهود جيل ،ان لم يكن أكثر، لكي يُنفّذ. موضوع المصطلح ، أنا فكرت كثيراً في الموضوع، ولم أجد في نهاية الأمر عبارة تفي بالمراد أفضل من كلمة ليبرالية فاذا كان نظام الحريوية تفي بالمراد فأنا لا أستسيغ هذه اللّفظة. قديماً لطفي السيد الليبرالي الشهير في مصر- وهو ملقب في مصر بأستاذ الجيل - في الواقع كان له دوركبير جداً في تنشئة جيل كامل من الكتاب والمفكرين والسيساسيين في مصر في الربع الاول من القرن العشرين فهو مشهور في دفاعه عن الليبرالية ، استعمل في بعض كتاباته عبارة مذهب الحريين و أعتقد أن هذه العبارة قالت ما يجب أن تقوله ، ولكنها لم تنال في نهاية الأمر اللإستقبال الكافي والتكريس الكافي،فمذهب الحريين لا يكفي كمصطلح لإستعماله،أنا أقول فلنستعمل كلمة ليبرالية ولم لا فقد استعملنا عدة كلمات مثلها عربناها ولن تخلق لنا مشكلة وهي متداولة ومألوفة ،علينا أن نحسن استعمالها أن نعطيها مضموناً وألّا نصنع مشكلة من لفظة ، ما دمنا لا نملك أحسن منها ،انا أرى أنّه ليس لدينا أحسن منها،أمّا بالفرنسية أو بالإنكليزيّة التصرّفبالعبارة أي بالأصل أقوى بكثير ،هذه خاصية اللغات. سوف نبقى أمام مشاكل في الترجمات ضمن هذا السياق ،لدينا مشاكل كثيرة من حيث الترجمة واللفظ .لكن أنا أعتقد أن هذه اللفظة مقبولة و متداولةوعلينا أن نوظفها كما ينبغي حتى تعبر عن تصورنا للمشكلة وللمذهب الذي نتبناه في شأنها.
أنتقل الى سؤال دكتور معين حول الحرية الفردية .في الواقع صحيح أن لب الليبرالية يقوم على مبدأ الحرية الفردية ،الحرية عند الفرد ، في حياة الفرد ،الحرية للفرد الإنساني، حرية الفرد الإنساني هذا صحيح .لكن هذه الفكرة - فكرة الحرية للفرد- موضوع بحث وجدل كبير في تاريخ الفلسفة وهو موضوع قديم،أي أننا إذا أخذنا تاريخ الفلسفة ، نجد هذه المشكلة مطروحة منذ افلاطون مروراص بالعصور الوسطى وحتى عصرنا هذا ،وكل الأدبيّات الفلسفية والسياسية التي تعالج موضوع ، حرية الفرد من هوبس الى يومنا هذا تصطدم بأسئلة من نوع حرية الفرد ولكن... ولكن حرية الآخرين ، حرية المجتمع ، حرية الجماعة ما العلاقة بين حرية الفرد و قواه الأخرى اذا كنا نتحدث عن حياة الفرد نفسه ومقوماته الحرية وما هو غيرالحرية في حياة الفرد وفي كيان الفرد ، حرية الفرد وحرية الافراد الآخرين و من هنا نصل الى مستوى المؤسسات والمجتمع بمعناه الواسع. طبعا هذه المشكلة مطروحة والبحث فيها سيظل مفتوحاً لكن المهم هو كما أشار دكتور معين ، هو نحن في هذه المنطقة من العالم نتحدث كثيراً عن الحريّة دون أن ننتبه الى أن الحرية بمعناها الليبرالي وهو المعنى الأساسي الشّائع في العالم مرتبطة بحرية الأفراد ، بحرية كل فرد ، وكما يقول التقليد الليبرالي على أساس المساواة ، لكن هذه العلاقة مثلاً بين حرية الفرد والمساواة هي موضوع جدل ، موضوع بحث في لبفكر الليبرالي نفسه ، فضلاً عن كونها موضوع بحث في الفكر غير الليبرالي مثل الإشتراكي ، الشيوعي الى آخره فهذه النقطة مهمة وحاولت أن أبين في الكتاب حدود اعتبار حرية الفرد أساساً لفلسفة الحرية وهذا دفعني الى ما أسميته في أحد الفصول المبادئ الأساسية اللازمة لإعادة بناء حقل الحرية وهي خمسة وكل هذه المبادئ التي وضعتها بعد درس للفلسفة السياسية الغربية الليبرالية أساسا هذه المبادئ تعطي فكرة واضحة عن مفهومي لحرية الفرد وكيف تمارس هذه الحرية في الوجود الإجتماعي .أنا من المتمسكين بالمبدأ التقايدي القائل باجتماعية الإنسان الطبيعية مثلاً وأرفض أن أتصور المجتمع على أساس نظرية العقد الإجتماعي وهي نظرية كما تعرفون مركزية في تاريخ الفكر الساسي الحديث لكن طبعا النظرية التقليدية حول اجتماعية الإنسان الطبيعية نظرية أرسطو و الفلاسفة العرب والعصور الوسطى الى آخرو ينبغي ان نضيف اليها لكي تكون نظرية تأخذ بعين الإعتبار مكتسبات الفكر الحديث الناحية الجدلية فالفرد موجود في مجتمع والمجتمع مؤلف من أفراد فلا حرية للفرد الا في علاقته الجدلية مع الآخرين وبالتالي مع المجتمع ككل هذه نقطة أما النقاط الأخرى التي أشار اليها الأستاذ سركيس بالتمهيد ، العلاقة ضرورية وقد أسميتها علاقة ترابط ضروري بين مبدأ الحرية ومبدأ العدل ، مبدأ الحرية ومبدأ العقل ، مبدأ الحرية ومبدأ السلطة ، عندما نقول عقل وعدل وسلطة هذه مبادئ تضع الحرية الفردية في اطار وجودنا الانساني وهذه مبادئ رئيسية ، تعلمون أن حول هذا الموضوع هناك جدل كبير في الفلسفة ، حول كيف نقيم العلاقات بين هذه المبادئ. الذّين يريدون أن يتطرفوا في الليبرالية يكونون عادة يعملون ضد السلطة ، لا يطيقون السلطة ، وكل شيء اسمه السلطة يكون متهم بأنه ضد الحرية ، كبعا يعلم الأذكياء والعقلاء منهم بأنهم لا يقدرون ان يستغنوا عن السلطة بالمجتمع ، ولكن يحاولون أن يعيدوها الى الحد الأدنى ، كما كان يقول لطفي السيد لأنه كان متأثراً بشكل كبير بالفلسفة الإنكليزية ، أنه مطلوب من السلطة الأمن والنظام والباقي كله عمل الافراد فالافراد احرار هذا كما هو معروف التعريف السلبي للحرية .هناك موضوع لا أريد أن أدخل بتفاصيل الفكرة ، المذهب ، المبدأ ، الثقافة والحضارة هذه عناصر أساسية أعتقد أنّها تحتاج الى بحث دقيق في جلسة متخصصة أكثر وأنا طرحت الافكار الئيسية في المقدمة و أعتقد أننا في المستقبل سنقوم بتوسيع هذه الامور اكثر. أنا أتحدث عن الحقائق الفيزيائية التي تقرر بالوسائل العقلية العلمية او الفلسفية ، وطبعاً العلمية بالدرجة الأولى ولا يوجد افتراض ابستمولوجي مباشر في كتابي حول هذا الموضوع ، اي أنه ليس لدي نظرية ابستمولوجية أطرحها في هذا الكتاب كي أعالج موضوع الحرية الا أنني حين أتكلم في الكثير من المواضع عن العلاقة بين الحرية والعقل أعبر دون شك عن تصور غير مبلور بما فيه الكفاية في هذا الكتاب - وهو مبلور في كتابات أخرى - عن موضوع العقل والمعرفة وعلاقة العقل بالمعرفة وبالحقيقة وربما كان من المفيد مستقبلا أن أخصص فصولا لشرح هذه النقطة من موقفي. ما قلته أنا في الكتاب وهذا قد يكون مرمى سؤالك و لكنك لم تعبر عنه بوضوح هو ما العلاقة بين المقاربة التي قمت بها في الكتاب بموضوع الحرية والعلوم الانسانية التي تتطرق هي أيضا لموضوع الحرية وهي كعلوم ميالة الى الحد من الحرية ان لم نقل الى نفيها او نفي وجودها علوم السيكولوجيا والسوسيولوجيا والانتروبولوجيا والاقتصاد والالسونيّة كل العلوم الانسانية وانا اعرف منها الكثير ولكن في هذا الكتاب لم أنهج هذا النهج وهو ممكن ومشروع فليأت غيري من الباحثين لكي يتصدى لهذا الموضوع ولكي يقيم لنا فلسفة للحرية مؤكدة أو نافية للحرية انطلاقا مما تقوله العلوم الانسانية حول هذه المسألة. مدخلي الى الموضوع كان مختلفا هو مدخل تاريخي محلي اقليمي الوضع العربي العام و العالمي موضوع العولمة .أعتقد أنني قد أجبت عن بعض النقاط التي أثيرت وأنا مستعد لمتابعة الحوار معكم بناء على الملاحظات والاسئلة التي يمكن أن تساق
س: الذي طرحه الدكتور ناصيف هو موضوع الساعة ومنذ زمن أيضا، يقابل ذلك موضوع الظلم موضوع الحبس موضوع عدم الافراج عن الأفكار وعن التحرك بشكل حرللابداع الانساني، الحرية موضوع هام لكنه لم يسلط الضوء على القضية الاقتصادية بالنسبة للحرية في عصرنا الحالي ولم يكن هناك تسليط للضوء على قضية العولمة وخطورتها على مجتمعنا الذي لايزال في العالم الثالث وهو خاضع لوحش العولمة، يعني كيف يمكن ان يكون هناك حرية مطلقة في غياب نظام اقتصادي يهتم بقضية الابداع وتشجيع الحرية في مؤسسات وفي تنظيمات معينة، وأريد أن أقول في نظام اشتراكي حتى، لأن موضوع الحرية في الخمسينات يختلف عنه الآن كون كان هناك طرح للاشتراكية ، الآن أصبح هناك ليبرالية ، الليبرالية تاريخيا تطورت بشكل أصبحت فيه ليبرالية عولمية متوحشة ، هي نوع من السيطرة على الكون من خلال الاقتصاد الحالي والحد من حرية الانسان بأي شكل من الأشكال، حتى نقول أنه حد من حرية التصرف أو أي ابداع معيّن، اليوم ما يحدث في العراق ويحدث في كل أنحاء الوطن العربي هي حرية القمع للاستئثاربالثروة المناطقية كي لا نقول فقط العربية الموجودة حولنا، موضوع الحرية كبير جدا ، وأعود وأقول الحرية الفردية على قدر أهميتها على قدر ما هي خطرة الحرية الفردية تاريخيا قمعت في العالم العربي وأنا أدينه وضده ولكن لا يعني أن الحرية الفردية تسمح للمرء بأذية الآخرين مثلاً، هذا موضوع دقيق وشفاف وعلى كل نشكر الدكتور ناصيف لطرحه هذا الموضوع الذي يجب أن نبدأ في كيفية مواجهة العولمة في المرحلة اللاحقة نحن جميعنا نعيش في وحش العولمة في لبنان وفي العالم العربي ونعاني في حياتنا العملية اليومية نعاني من قضية الاستثمار والاستغلال والاحتكار الموجودة حولنا وهذه تحد من أنفاسنا لأي ابداع أواهتمام بالقضايا الفكرية وقضايا مجتمعنا وقضايا قوميتنا وقضايا حريتنا ، الاستقلال الوطني هذه امور متصلة ببعضها.
س:ايلي الياس استاذ جامعي مشارك، ذكرت أن العولمة فعل حرية وفعل ليبرالية تقوم أي شرط كافي ونهائي لأن يكون هناك حرية اريد تحليلك لهذا الموضوع، لأي مدى برأيك الولايات المتحدة دولة ليبرالية ودولة تعتبر ان حرية الفرد هي بشكل متساوي غير مزاجي وغير انتقائي وبرايك ما هو موقع العالم العربي في هذه العولمة، وما هو الدور الذي يمكن لعبه؟
ناصيف نصار:
العناوين مقصودة صياغتها كلياً، بكل تفاصيلها ومبعث توجهي لصياغة العناوين مزدوج، أول مبعث هو تجربتي السيئة في كتاب" منطق السلطة" منطق السلطة 12 فصلا و12 عنوانا، عناوين قصيرة جدا، جافة عامة وأعتقد من خلال ما لاحظته من قراء الكتاب، هذه العناوين التي تعتمد في الكتب الفلسفية دون مشكلة في الغرب كانت سبباً لكثير منة سوء القراءة وضعف التجاوب والتفهم عند القراء اي لعبت دوراً سلبياً في مسألة تداول الكتاب وفهمه وهذه المرة كانت كتابتي أقرب الى القارئ وتساعده أكثر انطلاقا من العناوين، والهم الثاني أو المبعث الثاني عندي كان محاولة أن أكون قريبا من حاجة الناس الى اختصار الوقت والسرعة، وكون هذا الكتاب يهم الكثير من الناس وهذا ما افترضه، الناس المهتمون بمسألة الحرية كثر ومتنوعون والقرّاء كثر، وهذا الكتاب ليس موجها فقط لأساتذة الفلسفة المتخصصون بالفلسفة وربما أساتذة الفلسفة هم آخر من يهتم بقراءة كتب من هذا النوع في بلداننا، فهو موجه للصحافيين، للكتاب، للفنانين،للأساتذة، للمناضلين حتى الموظفين، العمال، الى آخره والذين يهتمون لموضوع الحرية ويهتمون بتكوين فكرة عنه. هذه العناوين كما صغتها أعتقد أنها وحدها في حال قراءتها يمكن الخروج بذاد عن موضوع الحرية ويحفزه ذلك على التفكير والاستذادة في حال أراد أن يقرأ شيئاً عن المصلحة مثلاً أو الرغبة أو عن حرية التفكير فيقرأ الفصل المتعلق بهذا الموضوع، طبعاً هذا الفصل ليس معزولاً عن غيره واذا أراد أن يفهم عليه قراءة الكتاب كاملاً لأني لم أذكر كل شيئ عن حرية التفكير في الفصل المخصص عن التفكير، وعن موضوع الرغبة لم أذكر كل شيئ في هذا الفصل فقط، موجود أمور كثيرة عن هذا الموضوع في فصول أخرى لأني رغم اعتمادي التام التأليف" التيماتيك" بهذا الكتاب المواضيع متشابكة وأعود الى الفكرة في فصل بعد أن أكون قد عالجت موضوعاً آخر والى آخره، وأعتقد أن مراهنتي على هذا الاتجاه مراهنة سليمة ، بدأت أشعر من خلال القراءات والنقد والتساؤلات الموجودة أن هذا الأمر قد أدى غرضه. هذا فيما يتعلق بالعناوين وهو موجود في التراث العربي وثقافات أخرى.
أدرك حاجة القراء اليوم وقد نبهت لها، القارئ العادي لايهتم كثيرا لموضوع الفلسفة ، بل يهتم للموضوع الاقتصادي والسياسي والثقافي وهذا من حقه، كون هذه الأنظمة، أنظمة الاقتصاد والسياسة والثقافة تعالج وتطال مشاكل حياته اليومية كما وأدرك أن الكثير من الأسئلة ستنهال علي في هذا الموضوع، حول راي بالحرية الاقتصادية والرأسمالية والديمقراطية والديمقراطية الليبرالية وما هي حدودها، هذه أسئلة معروفة، مطروحة ، معالجة ونبهت الى ذلك في بداية الكتاب، أنا لا أعالج هذه الأمور ميدانياً، أنا أحاول معالجة هذا الموضوع في منطقة النقص التي نعاني منها أساساً، يعني النقص في النظرة الفلسفية الى موضوع الحرية وكل هذه المواضيع اقتصاد سياسة ثقافة وأخلاق واجتماع والى آخره كلها في نهاية الأمر تحتاج الى أصل وهي هكذا في الفكر الغربي، في الفكر الغربي حيث تسود الليبرالية، لايوجد ليبرالية سياسية دون أساس لها في الفلسفة، جميع الذين كتبوا حول هذا الموضوع تجدون في تفكيرهم الصريح أو الضمني رجوعاً الى فلسفة معينة عن الحرية وهذا من الضروري أن نوليه اهتمامنا حتى ننصرف بعد ذلك الى مواضيع أخرى موضوع حرية المرأة، حرية العمل حرية التفكير والى آخره، هذه الأمور ضرورية جدا، يوجد كتاب للفيلسوف الاميركي جون رولز وهو فيلسوف أخلاقي اسم الكتاب الليبرالية السياسية اقرأوه وراقبوا ان كان يصلح لنا أم لا .
انتقل من هذه المسألة الى مسألة النموذج، نعم أنا أتجنب النموذج وليس عن خوف مكبوت بل عن موقف معلن، أقول في كتابي نحن ميّالون الى التفكير بواسطة النموذج وحاولنا القيام بهذا الأمر منذ مئتي عام كون التقدم الغربي أمامنا هائل ونسعى الى اللحاق به، فمن الطبيعي أن يفرز خيالنا هذا المسلك، يعني مسلك العمل بالاقتداء بالنمذج، يعني نأخذ الغرب نموذجاً ونطبقه، هذا الموضوع متشعب وفصوله كثيرة لن أدخل به، ولكن هذا التفكير لا يصح، فكرة النموذج تتطلب بداية وكي يكون هنا نموذج فعلي يجب أن يكون نموذجا مصاغاً بشكل"فورميل" ومتفق عليه، في حال قلت النموذج الغربي، الليبرالية في نموذجها الغربي، لا يوجد نمذج غربي واحد معروف ومتفق عليه في الغرب حول الليبرالية، يوجد مبادئ عامة، افكار مشتركة بين التجارب الليبرالية الغربية فيما عدا ذلك لكل بلد تقاليده وتجربته في هذا المضمار، لا الليبرالية الفرنسية تشبه الانكليزية و لا الانكليزية تشبه الألمانية ولا هذه الليبراليات الثلاث تشبه الأميركية ، اذا أخذنا هذه الدول الأربع العريقة في الليبرالية، والمتعمق في تفاصيل هذا الموضوع يعرف ذلك على صعيد الفكر وعلى صعيد المؤسسات وعلى صعيد العلاقات الخارجية ، مثالاً الفرنسيون يعرفون والأوروبيون يعرفون أنهم في موضوع العلمانية وهي وجه من وجوه تطبيق مبدأ الحرية، ليس بالضرورة الليبرالية بالذات لكن مبدأ الحرية، في موضوع العلمانية يبدو أن الفرنسيين استثناء بالنسبة الى أوروبا، دولة لديها قوانينها التي لايوجد لها مثيل لا في ايطاليا ولا في اسبانيا ولا في انكلترا ولا في ألمانيا ولا في أيّ بلد أوروبي آخر، الفرنسيون أبعد من ذلك يقولون ان الاستثناء الفرنسي على المستوى الثقافي كله ليس فقط في موضوع العلمانية وعلاقة الدولة بالدين، استفيد من هذه المحاضرة كي أقول أنه أولاً لايوجد نموذج واضح متفق عليه مصاغ بشكل"فورميل" في هذا المضمار، ثانياً في حال حاولنا أن نستلهم نموذجاً موجوداً يبقى علينا مرحالة أخرى وهي أن نأقلم هذا النموذج بالنسبة الى معطياتنا وبالنسبة الى أوضاعنا وبالنسبة الى تقاليدنا وممارساتنا ومؤسساتنا هذا بعد أن نكون قد أخضعناه للنقد لأن هذا النموذج هو ابن مرحلة تاريخية ، اذا يجب اقامة عملية اعادة تطبيق ، هناك كلمة شائعة في هذا الوقت اسمها تبيئة أي تجعله متأقلماً مع البيئة مع عادات البيئة والى آخره،اذا بما أنه غير موجود وفي حال تواجد علينا بذل كل هذا الجهد، فالمطلوب وهو أفضل بكثير وأجدى بكثير لكنه مكلف أكثر، هو أن نخترع نحن نموذجنا، لماذا لا نخوض التجربة بكل ما فيها من مخاطر ونخترع في نهاية الأمر مفهومنا للحرية أو نظرتنا الليبرالية ونطور هذه النظرة من داخل المجتمع ، وأن يقال أن الحرية مطلقة، أنا لم أذكر في أيّ مكان ان الحرية مطلقة في كتابي، الحرية الاجتماعية مطلقة ، الحرية المطلقة ولكن لا أستعمل كلمة مطلقة في هذه الحالة هي الحرية الكيانية بمعنى أن الحرية الكيانية هي صفة جوهرية للانسان اما موجودة أو معدومة، اي لا يوجد نصف حرية كيانياً، لكن اجتماعياً الحرية دائما وبالضرورة حرية نسبية ومقيدة، وهذا ذكرته في كتابي، كل الفكر الليبرالي يرتفع وينخفض بحسب التقييد وبحسب النزعة والاتجاه وأن تكون هناك مخاطر في حياة الحرية هذا طبيعي ولا بدّ من ذلك ومهما فعلنا لا يمكننا تجنبه هناك خطر ما يحيق بكل من يمارس الحرية وأقول أكثر من ذلك الحرية نفسها وحتى أستعير"نيتشه" في هذه الحالة هي أن تعيش في خطر، اذا أردت ان تعيش دون خطر فأنت راغب في مجتمع يعيشك داخل البيضة، عندها كل الأنظمة السلطوية ممتازة، ولكن لا يمكناا المطالبة بازالة الانظمة الديكتاتورية والقمع وفي الوقت ذاته نقول لا نريد الحرية هناك ترابط فيما بينها، الآن تعتقدون أن الغرب حقق الحرية بشكل كامل؟ لا ، لا أحد يقولها الغربيون أنفسهم لا يقولونها ولا نحن، ونحن لسنا مبهورين أو مغشوشين بالتجربة الغربية ، لكن الغرب يعيش جدياً هذه التجربة ويصلح انحرافاتها من خلال التجربة الحية.
س: العولمة ليست جديدة ، صحيح كل شيئ له تاريخ منذ سبع أو ثماني سنوات أخذت العولمة أشكال جديدة وخطيرة جدا، التجارة على الشبكة هناك آلاف الدراسات والأبحاث في اطارها ومئات الكتب وهذا هو الموضوع الأساسي، الكثيرون باتوا يتحدثون عن مجموعات الشبكات وانه في حلول نهاية هذا العام سيكون هناك بين 500 و600 مليون انسان داخل الشبكة يتاجرون ويتحدثون مع بعضهم وستبلغ القيمة 8 تريليون دولار، السؤال ما هو مصير الآخرين خارج الشبكة وخارج العولمة وسوق العولمة؟
س: اين هي الحرية داخل السلطة الدينية؟
ناصيف نصار:
انا لا أعالج في الكتاب موضوع العولمة، هناك كتب كثيرة موجودة حول هذا الموضوع باللغة العربية والأجنبية ، ما أطرحه في هذا الكتاب هو أخذ هذا الواقع في الحسبان نحن نعيش في اطار العولمة، العولمة تأتينا في هذه المرحلة بصورة مختلفة عمّا كنا عليه قبل الثورات، ثورة الخمسينات ولكنها تعيدنا الى علاقة مباشرة مع الغرب دون الوسيط أو الطرف الثالث الذي كان ممثلا بالاتحاد السوفياتي أو المنظومة الاشتراكية، هكذا كان وضع العرب من مئة سنة يعني علاقتهم المباشرة كانت مع الحضارة الغربية التي كان قوامها الرئيسي أو أحد مبادئها الرئيسية هو مبدأ الحرية. اليوم نحن في هذه العلاقة من جديد ولايوجد اتحاد سوفياتي يستطيع مساعدتنا أو حمايتنا أو تحقيق بعض الأمور عنّا، نحن في هذه المواجهة طبعا الوضع أعقد مما كنا عليه في الماضي بسبب وجود اسرائيل وبسبب وجود القوة الأميركية الهائلة، لكن لا يوجد عندنا على الصعيد الدولي الاّ هذا الواقع، كيف نجابه الولايات المتحدة ؟هذا ليس موضوع سؤالي، هناك أساتذة علوم سياسية بالمئات في الدول العربية يمكن طرح الموضوع عليهم ، أساتذة فكر سياسي ومناضلون عقائديون وعلماء سياسة وعلماء علاقات دولية يعرفون كيف تتعامل الدول بالديبلوماسية وغيرها وعليهم توفير الجواب وليس أنا، طبعا لست معفيا من التفكير بالجواب ولكن موضوعي ما هي العلاقة بين الوضع العربي العام ومحاولة الخروج من هذا الوضع العربي العام وهو وضع أزمة كما حددته وأزمة حضارية وموضوع العولمة، أنا أقول أنه لا يمكننا القيام بأي خطوة تجاه الوضع العالمي اليوم المتشكل في اطار العولمة الرأسمالية الليبرالية المتوحشة في بعض وجوهها وغير المتوحشة في وجوهها الأخرى، لا يمكننا القيام بأي أمر الاّ اذا انطلقنا من مبدأ الحرية، لا يوجد خيار آخر في رأي، جربنا الدول الديكتاتورية والثورة، والآن هناك من يحاول طرح موضوع الدين كبديل الدين الاسلامي ، العودة الى تطبيق الشريعة الاسلامية ، أعتقد أن كل هذا لن يعطي نتيجة ، لكن لا أقول أنه لا يمكننا القيام بأي شيئ ، الحرية ليست مفتاحاً سحرياً، الحرية شرط للعمل، شرط للمبادرة كي يعيش الانسان انسانيته وكي ينتج ويتحرك ويعمل ويمارس مسؤوليته، انا لا أدع مجالاً للقارئ كي يفهم الحرية عندي مفصولة عن المسؤولية، الحرية هي دائما مسؤولية، وهناك فصلا في الكتاب اعتقد انه من أفضل الفصول عن المسؤولية، كون لا يوجد الكثير من الكتابات في اللغة العربية عن المسؤولية وكتبته بأسلوب يراعي عبقرية اللغة العربية ويراعي مقتضيات الموضوع الفلسفي والأدبيات القائمة حول هذا الموضوع، لنعد الى فكرة كيف نجابه، هناك فكرة أخرى في الكتاب وقليل من انتبه لها، لأنها ليست موضوعي أيضا في هذا الكتاب وهي الارتباط بين الليبرالية والوطنية، أنا لا أطرح اللليبرالية مجردة عن الوطنية ، يجب قراءة الكتاب كاملا في حال عدم وجود فكرة ما في موضوع أو آخر هذا لا يعني أنها ليست موجودة في كتابي، ومن ثم يجب قراءة الكتب الأخرى وليس هذا الكتاب فقط، الليبرالية كما أطرحها مرتبطة بالوطنية ، يعني المجتمعات التي تريد عيش هذه الحرية وكما أسميها الليبرالية التكاملية هي مجتمعات وطنية ، ففي ألأساس هناك رابطة وطنية، اذا لم تتوفر هذه الرابطة الوطنية فلن يتمكن أي مجتمع من مقاومة أميركا أو أوروبا أو أي بلد آخر، المقاومة تكون على ركنين، الركن الوطني والانتماء الوطني والمصلحة الوطنية والتضحية الوطنية والبرنامج الوطني والاقتصاد الوطني والدفاع الوطني... ثمّ المضمون الداخلي لهذه الوطنية يكون المدماك الأول فيه الحرية وكل المستلزمات التي أطلقها، فمن دون هذه الوطنية طبعا عندها أنت ساحة مفتوحة مباحة تُبَيّع منزلك وكل ما عندك يخسرونك في اقتصادك في حال أردت مجابهة هذا التنافس العالمي الهائل بوسائلك الفردية، وطبعاً أنت كأعزل لا يمكن أن تصارع في هذا المجال، أدعو الى اعادة التفكيرفي الروابط الوطنية وكل ما تقتضيه الرابطة الوطنية ، هذا شق من الجواب أعتقد أن ذكره ضروري كي يكون لدينا بعض الوضوح في موقفنا بالنسبة الى العولمة، الشق الآخر وهو أن البلدان الغربية متقدمة علينا لأنها منتجة، تنتج كل شيئ، ونحن ماذا ننتج؟ نريد مجابهتها ولا ننتج شيئاً، حتى القمح لا ننتجه ، هذا غير معقول، عليك أن تنتج وكي تنتج يجب أن تعمل، عليك أن تنتج كتباً وأبحاثاً وآلات، يجب أن تنتج كل شيئ، الآن ضمن الانتاج العالمي اطلب من الاقتصاديين كي يقولو