الحلقة الخامسة من ندوات مكتب الدراسات العلمية وموضوعها كتاب الدكتور جهاد العقل حول "صحافة الحركة القومية الاجتماعية في الوطن والمهجر" وهذا الكتاب هو جزئين وكل جزء من حوالى 600 صفحة وهو نتاج عمل متواصل ودؤوب للدكتور عقل يدل على جهد عميق وتنقيب مرهق لما لهذا الموضوع من أهمية في عالم الصحافة كونه نتاج رجل فذ من بلادنا ومنطقتنا المتنية وهو انطون سعادة مؤسس وزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي وشخصية سعادة القومية من فكرية وعلمية وثقافية واعلامية قد تعدت حزبه وأصبحت حاضرة أبدا في أمته والعالم العربي والعالم من هنا أهمية هذا الكتاب بجزئيه الهامين وبهذه الحلقة نكون قد ختمنا سنتنا الحالية ولقد أقمنا خلالها خمس حلقات مع هذه الأخيرة لكل من الأستاذ انطوان بطرس في كتابه الثامن من تموز وهو عن استشهاد سعادة والدكتور ناصيف نصار عن كتابه باب الحرية والدكتور معين حداد عن كتابه أرض لاتهدأ والدكتور الأب سهيل قاشا عن كتابه الصهيونية تحارب الانجيل وقد لاقت جميعها نجاحا جيدا وكان الحضور دائما على اتساع هذه القاعة وفي حلقة اليوم نختتم نشاطنا لهذا العام على ان نستأنفه في العام الجديد على النحو التالي خمس حلقات من كانون الثاني حتى شهر أيار ضمنا وخمس حلقات من تموز الى تشرين الثاني ضمنا كما واننا سنقيم بعض الحلقات المتخصصة في الثقافة والاقتصاد والاجتماع وغيرها من المواضيع الساخنة وستكون ندوات توعية لأهل الاختصاص .
يقدم الكاتب والكتاب هذه الليلة الاستاذ جان داية وانطوان بطرس ولما كان الأستاذ بطرس غائبا فسينوب عنه الأستاذ سليم سعدو سالم
كان موضوع صحافة الحركة القومية الاجتماعية يحتل لائحة الكتب الجديدة التي كنت بصدد اعدادها ونشرها وفيما كنت أنفض الغبار عن دراستين لي سبق ونشرتهما في مجلة صباح الخير حول جريدتي النهضة وسوريا الجديدة مقدمة لاعادة نشرهما في الكتاب العتيد بشرني الصديق الدكتور جهاد بأنه وضع حجر الأساس لورشة صحافة الحزب القومي وأن العصفورة قد أخبرته ان أرشيفي يحتضن جزءا من دراسة لبعض تلك الصحف وأنه على استعداد لنشره في كتابه ولم ينس ان يؤكد بان حقوق الطبع مقدسة لديه بمهنى أنه لم يتبع موضة تغييب اسمي عن الدراسة. ولمّا كنت متحمسا لكتابة تاريخ الحزب القومي التي تساهم في تفعيل حاضر الحزب ومستقبله فقد سارعت الى اعطائه الدراستين المكثفتين مخافة أن يغير رأيه وهنا أود أن افتح هلالين وأقول أن التاريخ المتحمس له ليس التاريخ الرسمي الذي يكتبه شخص أو مجموعة أشخاص بناء لترخيص وتكليف من عمدة الثقافة مثلا يغدو المرجع الوحيد الذي يقتضي العودة اليه بكل شاردة أو واردة ذلك أن كتب التاريخ حول الموضوع الواحد تتضمن بعض المعلومات والاستنتاجات المتباينة. فمن يستطيع الجزم ان التاريخ الرسمي يتضمن كل الاستنتاجات الصائبة والمعلومات الدقيقة؟ مثلا هل من جواب واحد على كيفية تسليم سعادة للسلطات اللبنانية من قبل حسني الزعيم ؟ لذلك يفضل أن تترك هذه المهمة للقطاع الخاص حسب تعبير سركيس أبوزيد ولا بأس من صدور أكثر من كتاب واحد للموضوع الواحد، فالقرّاء أذكياء ويستأهلون أكثر من مرجع من أجل معرفة تاريخ الحزب القومي وصحافته. وبالمناسبة فاني اعتبر أن كتاب صحافة الحركة القومية الاجتماعية في الوطن والمهجر بجزئيه هو مرجع هام لهذه الناحية الأساسية من حركة سعادة النهضوية ولكنه ليس المرجع الوحيد ولا يجوز أن يكون كذلك، أغلق الهلالين وأعود الى دراستي المختصرتين اللتين نشرهما المؤلف في الجزء الأول من صفحة 196 الى 207 ومن صفحة 417 الى 423 لأنقل وأبدي ملاحظتين. حين نشرت الدراستين في"صباح الخير" ربما في ال77 تلقيت رسالة مستفيضة من جورج عبد المسيح يعلمني فيها انه كان من مراسلي" سوريا الجديدة" البرازيلية من بيروت وكان ينشر باسم مستعار وحدد الاسم، وعندما كنت بصدد اعداد كتابي سعادة ومفكرو النهضة تجربة فخري معلوف الذي صدر منذ أيام تبين لي أن معلوف كان يذيل بعض مقالاته بتوقعين مستعارين أحدهما"نصّوح الخطيب" من هنا أقترح على المؤلف خلال تحضيره للطبعة الثانية التي آمل أن تتم خلال شهور لا سنين أن ينوه بمساهمة جورج عبد المسيح في" سوريا الجديدة " اضافة الى عدم اكتفائه بالقول في الصفحة144 بأن نصوح الخطيب هو اسم مستعار بل ان يوضح بأن فخري معلوف هو نفسه نصوح الخطيب وأنور عصام أيضا . حسنا فعل المؤلف حين اعتبر مجلة "المجلة" التي أصدرها سعادة في بيروت خلال المرحلة السرية للحزب 1932 – 16- تشرين الثاني -1935 هي باكورة دوريات الحركة القومية الاجتماعية ، صحيح أن الدكتور خليل سعادة قد أصدر مجلة"المجلة" في البرازيل وساهم الزعيم في ادارتها وتحريرها في أوائل العشرينات من القرن الماضي ولكن مجلة"المجلة" التي أصدرها سعادة في بيروت تعتبر مطبوعة أخرى، ليس فقط بالترخيص الجديد الذي حصل عليه من السلطات الفرنسية المنتدبة في بيروت بل أولا جهة الهدف والغاية ناهيك بخصوصية تاريخ صدور أعدادها القليلة . كان سعادة قد أسس الحزب السوري القومي عام 32 بصورة سرية حين أصدر المجلة في العام33 وتمحورت بعض موضوعاتهاعلى المبادئ الخاصة بالأمة السورية وتاريخها ومقوماتها ومقومات نشوئها وأسباب نهوضها، ضف الى ذلك أن سعادة كان يلفت نظر المقبلين على مشروعه النهضوي الى المجلة وبعض موضوعاتها كما ورد في مذكرات جبران جريج وعبدالله قبرصي، وبالطبع كان متعذرا الاعلان في ترويسة العدد ان المجلة ناطقة بلسان الحزب باعتبار أن الأخير لم يكن علنيا ومرخصا ويبقى ان سعادة لم يصدر مجلة كصحافي محترف وانما أصدرها كقائد نهضة. ولنقلب الصفحة حفل الجزءان بالجداول ونصوص بعض المقالات والرسائل وصورها كما وردت في الدوريات القومية وهذا النهج يفيد القرّاء حين يوفر لهم مادة تعذر عليهم نبشها وقراءتها خصوصا وأن بعض مجلدات صحف الحزب لم تعد متوفرة الا في بعض المكتبات العامة كمكتبة الجامعة الأميركية في بيروت وفي بعض المكتبات الخاصة التي يتردد أصحابها في وضع محتوياتها بين أيدي الباحثين ناهيك بانكار بعضهم لوجودها في مكتباتهم باستثناء الأمين رشيد الأشقر الذي يشرع باب مكتبته الغنية وكدت أقول الأغنى بالدوريات والكتب القومية الاجتماعية أمام كل الدارسين شرط أن لايمارسوا موضة لطش المطبوعات التي تعتبر أكثر فظاعة من موضة لطش بعض اللبنانيين للمال العام خصوصا في مؤسسة علي بابا التي تمارس تعتيم الشوارع والمنازل بدلا من انارتها والشبه يكمن في أن لطش الجريدة أو الكتاب من المكتبة العامة وتخزينه في الأقبية المغلقة يبطئ من حركة التنوير البطيئة أصلا. مرة أخرى أفتح هلالين من أجل تكرار الاقتراح الذي قدمته في العام72 ليصار الى اعادة نشر دوريات الحزب القومي لتصبح بمتناول كل من يهمه أمرها من القوميين والمواطنين ناهيك بزوال الخوف من فقدانها بصورة نهائية اذا احترقت المجموعة اليتيمة الموجودة في المكتبة الخاصة المجهولة المعلومة. لقد قبل اقتراحي آنذاك لكن أحد المسؤولين دخل على خط التنفيذ فقسم مجلد النهضة الذي يحتضن أعداد سنة واحدة الى قسمين وطبع القسم الأول ووعد بظهور القسم الثاني والأخير بعد أشهرورحل المسؤول لكن الوعد لم يتحقق رغم مرور أكثر من ربع قرن لأن تجزئة المشروع نجمت عن فكر غير عملي اضافة الى تغليب العامل التجاري على الهدف الثقافي العقائدي. وعلى ذكر العصفورة التي تنقل عادة الأخبار الجيدة فقد أخبرتني أن الصديق الناشرعبودي أبو جودة عاكف منذ أكثر من عام علىاصدار مجموعة الجيل الجديد البيروتية الدمشقية بدأت تصدر في بيروت باشراف الزعيم وبعد الاستشهاد واصلت صدورها في دمشق، ولكنه متريث لحين حصوله على أحد أعداده المفقودة. وأكرر الان ما سبق وقلته له مرارا ان لايؤخر الطبع لأن الحصول على أعداد الجيل الجديد ناقصة عددا واحدا أفضل من فقدان كل الأعداد، ناهيك بأن العدد المفقود في حال العثور عليه يمكن اضافته الى الأعداد المتوفرة في طبعته الجديدة، ولنغلق الهلالين عائدين الى الكتاب، وتحديدا الى الملاحق التي تحتل حيزا كبيرا من الجزئين ولاتقل أهمية وفائدة عن الدراسة، فهي تقدم جردة بعناوين المقالات وتاريح صدورها وأسماء كتابها. كذلك هو حال بعض مقالات الكتاب التي يتعذر قراءتها في مكان آخر نظرا لعدم اعادة نشرها في كتب مستقلة كقصيدة قافلة المجد لـ"علي أحمد سعيد- أدونيس" والعقيدة والحقيقة لـ" فخري معلوف"، ومناهج التعليم القومية الاجتماعية لـ "معروف سعد" والنظرة المدرحية لـ "أنيس فاخوري" وفلسفة القيم في المدرسة المدرحية لوكيل عميد الاذاعة والثقافة الذي هو هشام شرابنس وكلها منشورة في القسم الأخير من الجزء الثاني من كتاب الدكتور"عقل" ولكن لماذا أعاد المؤلف نشر بعض مقالات سعادة بكاملها وهي المنشورة في أكثر من طبعة في الآثار الكاملة وعلى سبيل المثال فرسالة الزعيم الى فايز صايغ المعاد نشرها بكامل نصها في الجزء الثاني بدءا من الصفحة 928 سبق ونشرت في كتاب الرسائل لسعادة الجزء الثالث من الصفحة 841 الى 844 وقد أعيد نشرها في أحد أجزاء المجموعة الكاملة الخاصة بالرسائل التي أصدرتها مؤسسة سعادة. كان يمكن أن يكتفي المؤلف بمقتطفات من الرسالة ومن رغب في قراءتها كاملة عليه العودة الى المراجع المتوفرة في معظم المكتبات الخاصة. وبعد ليس عدد المتداخلين في هذه الأمسية اثنين بل دزينتين، المتداخلين من الجمهور لذلك أسارع الى انهاء المداخلة بالقول أن من ايجابيات الصحافة القومية تبيان الكمّ الكبير من الدوريات التي تلاحقت في الصدور خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الـ 16 عاما اضافة أن معظم الدوريات وبخاصة باكورة الجرائد، جريدة النهضة كانت ذات سوية رفيعة سواء في المضمون أم في الصناعة الصحفية وكل ذلك تحقق بقليل من" الفراطة" ولكن الكثير من الارادة والتضحية والمهارة ولاعجب فالعامل البشري كان ولايزال أهمّ وأفعل من العمل المادي في مجال اصدار الدوريات وفي غير مجال. واذ أهنئ الدكتور جهاد على نتاجه القيّم أتمنى عليه اكمال المهمة فيصدر في العام المقبل الجزء الثالث من صحافة الحركة القومية الاجتماعية في الوطن والمهجر التي صدرت بعد استشهاد سعادة بدءا من الجيل الجديد والبناء الدمشقيتين ولابأس من اصدار جزء رابع يتناول صحافة القطاع الخاص في الحركة القومية الاجتماعية من مثل مجلة الواجب 1946 وجريدة الزوابع أوائل 1951 .
الاستاذ سليم سعدو سالم يلقي كلمة الاستاذ انطوان بطرس.
ناقل الرسالة ليس مثل كاتبها وقارؤها ليس كمن كتبها ومع ذلك أنقل اليكم اعتذار الاستاذ انطوان بطرس لأسباب قاهرة لم يستطع أن يحضر ليلقي كلمته.
كتاب صحافة الحركة القومية الاجتماعية في الوطن والمهجر من 1933 الى 1944 للباحث الدكتور جهاد نصري عقل في جزئين كبيرين 1136 صفحة مع كشّاف توزيع دار الفرات . عمل مرجعي كبير يؤرخ للنشاط الصحفي لمؤسس وزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعادة أولا ومن ثم للحزب ومؤسساته الثقافية والاذاعية ثانيا منذ العام 1933 أي بعد أقل من نصف عام على تأسيس الحزب وحتى استشهاد سعادة. هذا الكتاب يسد فجوة لجانب هام من أدبيات وثقافة وفلسفة هذه الحركة التي اتسمت بلمسة مميزة منذ تأسيسها كونها ليست مجرد تنظيم سياسي بل مشروع كلي ذومضامين اجتماعية وسلوكية ونهضوية شاملة، انه تعقب دقيق لبدايات فكر سعادة باسلوب علمي دقيق شامل ومفصل يسدي للباحث المعاصر خدمة جلة للاحاطة بكمية ضخمة من المصادر خلال الفترة المشار اليها دون أن يهمل وحيث يلزم العروج الى المرحلة السابقة لتأسيس الحزب، مرحلة فتوة سعادة وبداياته في كنف أبيه الدكتور خليل سعادة، في العشرينات وبواكير تفكيره واطلالته الصحفية في الصحف والمجلات التي أنشأها والده وعمل فيها هو محررا وموزعا، تلك الاطلالات لم تكن خجولة قط أو ضبابية بل شرارات نهضوية كاملة واضحة المعاني كتبت بأسلوب جديد وقوي أشبه بخطاب فكري جديد الى أمته والعالم على السواء. وان المرء ليدهش من المادة الصحافية التي تركها سعادة والموثقة في هذا السفر الضخم. فبين تأسيس سعادة للحزب واستشهاده حوالى سبعة عشر عاما فقط كانت مليئة بكل أنواع النتاج الصحفي والفكري والعقائدي. وكان سعادة كما كتب لـ"وليم بحليس" كاتب الزوبعة الوحيد ما عدا مقال "جبران مسوح" ومديرها وناموس ادارتها يدون أسماء المشتركين ويبحث عن مشتركين جدد ويحذف أسماء الذين أعادوا الجريدة ويصلّح المسودات ويضبط حساب الورق وأجرة الراصف ويأخذ الأعداد الى البريد ويراجع الصحف السورية والأجنبية ويقص ما يجب حفظه ويلخص أخبارها، وهذا الجهد الشخصي الضخم اضافة الى معوقات خارجية كبيرة كميوعة أوضاع المطابع وتلكؤ القوميين في دعم مشروع تأسيس مطبعة خاصة بالجريدة ومقاطعة المطابع السورية قصد تعطيل الجريدة يفسر أسباب عدم صدور أكثر من 91 عددا منها فقط في 6 سنوات و8 أشهر. وقد ذكرت الأمينة الأولى في مذكراتها أنها حملت معها حين عودتها الى الوطن والتحاقها بالزعيم آلة تنضيد صغيرة كان يستعملها، وللأسف الشديد فقدت من المنزل واختفت ومن غير المعروف من استولى عليها. والأمل أن يعي صاحبها غير الشرعي ما بين يديه أو ما توارثه أو أن ينقب عن أسباب وجودها عنده، ان لم يكن قد تنبه اليها من قبل ويرد الأمانة الغالية الى ورثة سعادة.
وزع جهاد العقل المادة الصحفية الضخمة التي خلفها سعادة في جزئين، الأول من العام 1933 وحتى عودته من مغتربه القسري في آذار47 ،
والثاني بين العودة والاستشهاد وهي مرحلة لم تتعد الـ27 شهرا. واذا أخذنا بالاعتبار أن جريدة "الجيل الجديد" التي استهل بها سعادة نشاطه الصحفي في بيروت في نيسان 1948 أي بعد عام تماما من عودته من المغترب القسري وليس قبله، يكون انتاجه الصحفي الضخم في مرحلته الأخيرة يغطي في الواقع 14 شهرا فقط وهذا من مآثر سعادة.
تشمل المادة التي نحن بصددها "مجلة المجلة" التي أصدرها في بيروت وصدر منها 4 أعداد فقط، وجريدة "النهضة" التي أسسها أيضا في بيروت وصدر منها 136 عددا، وجريدة "سورية الجديدة" التي أسسسها في البرازيل وصدر منها 125 عددا ، وجريدة "الزوبعة" التي أسسها في الأرجنتين واستمرت حتى عودته وصدر منها 91 عددا ، وجريدة " الجيل الجديد" بيروت وصدر منها 51 عددا، ونشرات الحزب وهي ثلاث، وأخيرا مجلة "النظام الجديد"وقد صدر منها 6 أعداد فقط. يقول المؤلف ان الصحافة كانت بالنسبة لسعادة أمّ الحرية وثمارها وساحة الصراع الفكري الفعلي الدائم التي رأى فيها أهم وسيلة لتنمية القوة الفكرية غير المحدودة في الأمة، وهو من أجل ذلك اتخذ منها وسيلة لاحداث ثورة فكرية تكون عظيمة الأثر في مفاهيم العمل الاعلامي وطبيعته وأهدافه الحقيقية خصوصا في مجال الالتزام المطلق بالقضية القومية الاجتماعية ونظرتها الشاملة الى الحياة والكون والفن. ونظرا لاتساع نطاق المادة فقد عمد المؤلف الى سلسلة آليات توثيقية ليجعل من كتابه مادة فعالة تنجح في وضع نشاط الحركة الصحفية في متناول الباحثين والمعنيين بطريقة تكفل لهم سهولة العمل والاحاطة، ميسرا لهم سبل العودة الى النصوص الأصلية ساعة يشاؤون بحثا عن تفصيل أو تدقيق، فاضافة الى بطاقة التعريف الموسعة والمفصلة أفرد لكل مطبوعة مقدمة خاصة بها، تتناول ظروف تأسيسها واطارها وما تميزت به، وقوائم بمحتويات كل عدد ومواضيع الغلاف وعرضا ملخصا للمقالات واثباتا بالنص الكامل لبعض منها، ثمّ استعراضا خاصا أكثر تفصيلا لمقالات سعادة واحدة تلو الأخرى، وأخيرا سلسلة ملاحق تفصيلية أيرزها جدول بالاصدارات الكاملة مبوبة بحسب الكتّاب والمواضيع ورقم الصفحات وجدول آخر منفصل بمقالات سعادة في كل عدد، هذا بالاضافة الى صور أغلفة المجلات ومختارات من النصوص. كما وان المرء ليقف معجبا أمام الأسماء الكبيرة التي استقطبها سعادة في باكورة نشاطه الصحفي، فنقرأ في المجلة تواقيع هامة مثل "عيسى اسكندر المعلوف"،"قسطنطين زريق"، "الياس فرحات"، "بيار دودج"، "ايليا أبو ماضي"، "ابراهيم الصليبي"، "شفيق المعلوف"،"الدكتور خليل سعادة"،"بو فخري المعلوف" و"اسكندر حبيب". أمّا بالنسبة للمواضيع التي عني بها سعادة فتراوحت بين مبادئ التربية ومعنى الأمة وبعث الأدب السوري، طريقة نسخ المخطوطات ومباحث علمية بحتة كالكم بحسب انيشتاين وفجر الفلك العصري والشباب والأديان وحقيقة الوجود وفلسفة العلوم، هذا نموذج والمكان لايتسع لأكثر. كما ونقرأ في"النهضة "التي أسست بعد خمسة أشهر فقط من احتجاب المجلة تغييرا في الطابع وهو مزيد من الالتزام القومي، ومن المصادفات أنّا نقرأ فيها مقالة لـ"يوسف الخال" تحت عنوان الديكتاتورية الحكيمة هي طريق الانقاذ والتي كتبها نتيجة افلاس الانظمة الديمقراطية الليبرالية الغربية. ويذكر أن الخال بعد مقالته هذه بعشر سنوات ادعى أن الديكتاتورية كانت وراء خلافه مع سعادة. وقد تميزت "سورية الجديدة" بسلسلة مقالات أدبية نقدية هامة تحت عنوان"جنون الخلود" أوضحت نظرة سعادة الى الأدب والالتزام الأدبي والفكر الديني، ونشرت فيما بعد في كتابين مرجعيين هما "جنون الخلود" الذي ركز على الأدب والفكر والثاني "الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية" والذي ركز على اجتماعيات الدين. كانت نشرة النظام الجديد آخر النشاطات لسعادة الصحفية، وقد اختار هذا الاسم للمجلة لتحمل خطط التفكير الجديد ومخططات النظام الجديد التي تسير الحركة القومية الاجتماعية الذي يجعل الحركة القومية الاجتماعية تسير بالأمة، موضحا أن حركة القومية الاجتماعية تدخل في معالجة هذه المعضلة الاجتماعية المادية الروحية وتعاليمها نظاما جديدا ومجتمعا جديدا وللأسف لم يصدر من هذه المجلة سوى 6 أعداد. وكان الحزب في فترة غياب سعادة في المهجر قد أصدر نشرتين داخليتين عن عمدتي الاذاعة والثقافة، وعلى أثر عودة الزعيم أصدر نشرة عمدة الاذاعة التي استمرت من آذرا 47 وحتى تشرين الأول من العام ذاته حين أقدم على تحويلها الى نشرة رسمية. وكان السبب وراء ذلك ان عميد الاذاعة فايزصايغ آنذاك حولها الى نشرة شبه خاصة تعكس تفكيره وتوجهاته الفلسفية الفردية التي كانت تتعارض مع فلسلفة الحزب الاجتماعية. والمعروف أن هذا النزاع تفاقم وتطور الى حد اقالة صايغ وطرده من الحزب ومنعا لتكرار العامل الفردي في مؤسسات الحزب الثقافية حدد سعادة بما سمي موضوعات النشرة الرسمية وجعلها تقتصر على الاذاعات الرسمية من قبل الدوائر المختصة والبيانات التي تحمل تعاليم الحركة ونظرتها الخاصة الى الحياة والكون والفن.هذه النشرات تشكل مرجعا أوليا شاملا متكاملا لمن يريد تتبع نزاع التيارات داخل الحزب وموقف العقيدة الصلبة حيالها. وان ما قام به جهاد العقل في مجال تويق هذا الجانب أساسي جدا لعدم توفر النشرات بيد الباحثين وكونها أصبحت نادرة خلافا للمقالات الصحفية والبحثية من فلسفية وفكرية واجتماعية والتي تضمها مجموعتا الآثار الكاملة والأعمال الكاملة، أضف الى ذلك أن النشرات الرسمية خلافا للمقالات الصحفية ذات طبيعة داخلية مختلفة تعالج الشؤون الحزبية والادارية وتكشف كثيرا من تطورات المرحلة. الواقع أنه من الظلم للكتاب أن يتصور المرء أنه يستطيع في مثل هذه العجالة أن يبين النواحي المتعددة الذي يسهم بها هذا العمل، فهو مجهود كبير يضع بين يديك النشاط الضخم الذي قام به مفكر كاد أن يغير وجه تاريخ المنطقة وحتما ترك بصمته على مجريات الأحداث. ان الاعتقاد بعدم تأثيرها في المستقبل تفكير متسرع.